يَقع مِنْهُم النسْيَان وَقصد الشَّيْء يَظُنُّونَهُ قربَة إِلَى الله تَعَالَى فَأخْبر عَلَيْهِ السَّلَام أَنه لم ينج من هَذَا أحد إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام فَيَقُول من هَذَا أَن يحيى لم ينس شَيْئا وَاجِبا عَلَيْهِ قطّ وَلَا فعل إِلَّا مَا وَافق فِيهِ مُرَاد ربه عز وَجل (الْكَلَام فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَذكروا قَول الله تَعَالَى لَوْلَا كتاب من الله سبق لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَاب عَظِيم وَقَوله تَعَالَى {عبس وَتَوَلَّى إِن جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يدْريك لَعَلَّه يزكّى أَو يذكر فتنفعه الذكرى أما من اسْتغنى فَأَنت لَهُ تصدى وَمَا عَلَيْك إِلَّا يزكّى وَأما من جَاءَك يسْعَى وَهُوَ يخْشَى فَأَنت عَنهُ تلهى} وَبِالْحَدِيثِ الْكَاذِب الَّذِي لم يَصح قطّ فِي قِرَاءَته عَلَيْهِ السَّلَام فِي {والنجم إِذا هوى} وَذكروا تِلْكَ الزِّيَادَة المفتراة الَّتِي تشبه من وَضعهَا من قَوْلهم وَإِنَّهَا لهي الغرانيق العلى وَإِن شَفَاعَتهَا لترتجي وَذكروا قَول الله تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى} ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته فَينْسَخ الله مَا يلقى الشَّيْطَان ثمَّ يحكم الله آيَاته وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَإِن الْوَحْي امتسك عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام لتَركه الِاسْتِثْنَاء إِذْ سَأَلَهُ الْيَهُود عَن الرّوح وَعَن ذِي القرنين وَأَصْحَاب الْكَهْف وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وتخفى فِي نَفسك مَا الله مبديه وتخشى النَّاس وَالله أَحَق أَن تخشاه} وَبِمَا روى من قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لقد عرض على عذابكم أدنى من هَذِه الشَّجَرَة إِذْ قبل الْفِدَاء وَترك قتل الأسرى ببدر وَبِمَا روى من قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَو نزل عَذَاب مَا نجى مِنْهُ إِلَّا عمر لِأَن عمر أَشَارَ بِقَتْلِهِم وَذكروا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَال إِلَى رَأْي أبي بكر فِي الفدا والاستبقاء وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} قَالُوا فَإِن لم يكن لَهُ ذَنْب فَمَاذَا غفر لَهُ وَبِأَيِّ شَيْء أمتن الله عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَبِقَوْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو دعيت إِلَى مَا دعِي إِلَيْهِ يُوسُف لَأَجَبْت فَإِنَّمَا هَذَا إِذْ دعِي إِلَى الْخُرُوج من السجْن فَلم يجب إِلَى الْخُرُوج حَتَّى قَالَ للرسول ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ مَا بَال النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْديهم إِن رَبِّي بكيدهن عليم فَأمْسك عَن الْخُرُوج من السجْن وَقد دعِي إِلَى الْخُرُوج عَنهُ حَتَّى اعْترف النسْوَة بذنبهن وبراءته وتيقن بذلك مَا كَانَ شكّ فِيهِ فَأخْبر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَو دعِي إِلَى الْخُرُوج من السجْن لأجاب وَهَذَا التَّفْسِير مَنْصُوص فِي الحَدِيث نَفسه كَمَا ذكرنَا من كَلَامه عَلَيْهِ السَّلَام لَو لَبِثت فِي السجْن مَا لبث يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ دعيت لَأَجَبْت الدَّاعِي أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ وَأما قَول الله عز وَجل {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} فقد بَينا أَن ذنُوب الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام لَيست إِلَّا مَا وَقع بنسيان أَو بِقصد إِلَى مَا يظنون خيرا مِمَّا لَا يوافقون مُرَاد الله تَعَالَى مِنْهُم فهذان لوجهان هما اللَّذَان غفر الله عز وَجل لَهُ وَأما قَوْله {لَوْلَا كتاب من الله سبق لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَاب عَظِيم} فَإِنَّمَا الْخطاب فِي ذَلِك للْمُسلمين لَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك إِذْ تنازعوا فِي غَنَائِم بدر فَكَانُوا هم المذنبين المتشتنين عَلَيْهِ يبين ذَلِك