خشى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس فِي ذَلِك خوف أَن يَقُولُوا قولا ويظنوا ظنا فيهلكوا كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لِلَانْصَارِ بَين إِنَّهَا صَفِيَّة فاستعظما ذَلِك فَأَخْبرهُمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه إِنَّمَا أخْشَى أَن يلقِي الشَّيْطَان فِي قلوبهما شَيْئا وَهَذَا الَّذِي خشيه عَلَيْهِ السَّلَام على النَّاس من هَلَاك أديانهم بِظَنّ يَظُنُّونَهُ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ الَّذِي يحققه هَؤُلَاءِ المخذولون المخالفون لنا فِي هَذَا الْبَاب من نسبتهم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعمد الْمعاصِي فَهَلَكت أديانهم وَضَلُّوا ونعوذ بِاللَّه من الخذلان وَكَانَ مُرَاد الله عز وَجل أَن يُبْدِي مَا فِي نَفسه لما كَانَ سلف فِي علمه من السَّعَادَة لأمنا زَيْنَب رَضِي الله عَنْهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَإِن قَالَ قَائِل أَنكُمْ تحتجون كثيرا بقول الله عز وَجل {وَمَا ينْطق عَن الْهوى أَن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} وَبِقَوْلِهِ {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجاً مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر وَذكر الله كثيرا} وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام إِنِّي لأتقاكم لله وَأعْلمكُمْ بِمَا آتِي وآذر وتقولن من أجل هَذِه النُّصُوص إِن كل قَول قَالَه عَلَيْهِ السَّلَام فبوحي من الله قَالَه وكل عمل عمله فبإذن من الله تَعَالَى وَرَضي مِنْهُ عمله فأخبرونا عَن سَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَكْعَتَيْنِ وَمن ثَلَاث وقيامه من اثْنَتَيْنِ وَصلَاته الظّهْر خمْسا وإخباره بِأَنَّهُ يحكم بِالْحَقِّ فِي الظَّاهِر لمن لَا يحل لَهُ أَخذه مِمَّن يعلم أَنه فِي بَاطِن الْأَمر بِخِلَاف مَا حكم لَهُ بِهِ من ذَلِك أبوحي من الله تَعَالَى وبرضاه فعل كل ذَلِك أم كَيفَ تَقولُونَ وَهل يلْزم الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمحكوم لَهُ الرِّضَا بِحكمِهِ ذَلِك وهما يعلمَانِ أَن الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك أم لَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فجوابنا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن كل مَا ذكر هَا هُنَا فبوحي من الله تَعَالَى فعله وكل من قدر وَلم يشك فِي أَنه قد أتم صلَاته فَالله تَعَالَى أمره بِأَن يسلم فَإِذا علم بعد ذَلِك أَنه سهى فقد لَزِمته شَرِيعَة الاتمام وَسُجُود السَّهْو برهَان ذَلِك أَنه لَو تَمَادى وَلم يسلم قَاصِدا إِلَى الزِّيَادَة فِي صلَاته على تَقْدِير أَنه قد أتمهَا لبطلت صلَاته كلهَا بِلَا شكّ بَاطِنا وظاهراً ولاستحق اسْم الْفسق وَالْمَعْصِيَة وَكَذَلِكَ من قدر أَنه لم يصل إِلَّا رَكْعَة وَاحِدَة وَأَنه لم يتم صلَاته فَإِن الله أمره بِالزِّيَادَةِ فِي صلَاته يَقِينا حَتَّى لَا يشك فِي الْإِتْمَام وَبِأَن يقوم إِلَى ثَانِيَة عِنْده فَمَتَى علم بِأَن الْأَمر كَانَ بِخِلَاف ذَلِك فَصلَاته تَامَّة وَلَزِمتهُ حِينَئِذٍ شَرِيعَة سُجُود السَّهْو وبرهان ذَلِك أَنه لَو قعد من وَاحِدَة عِنْده مُتَعَمدا مستهزئاً أَو سلم من ثَلَاث عِنْده مُعْتَمدًا لبطلت صلَاته جملَة ولاستحق اسْم الْفسق وَالْمَعْصِيَة لِأَنَّهُ فعل خلاف مَا أمره الله تَعَالَى بِهِ وَكَذَلِكَ أمره الله وأمرنا بالحكم بِالْبَيِّنَةِ العدلة عندنَا وباليمين من الْمُنكر وباقرار الْمقر وَإِن كَانَت الْبَيِّنَة عامدة للكذب فِي غير علمنَا وَكَانَت الْيَمين وَالْإِقْرَار كاذبين فِي الْبَاطِن وافترض الله علينا بذلك سفك الدِّمَاء الَّتِي لَو علمنَا الْبَاطِن لحرمت علينا وَهَكَذَا