تَعَالَى لقطعنا قبُول الله عز وَجل لَهُ وَأما التَّوْبَة فَإِذا وَقعت نصُوحًا فَنحْن نقطع بقبولها وَأما الْقطع على مظهر الْخَيْر بِأَنَّهُ فِي الْجنَّة وعَلى مظهر الشَّرّ والمعاصي بِأَنَّهُ فِي النَّار فَهَذَا خطأ لأننا لَا نعلم مَا فِي التفوس وَلَعَلَّ الْمظهر لخير مبطن للكفر أَو مبطن على كَبَائِر لَا نعلمها فَوَاجِب أَن لَا نقطع من أجل ذَلِك عَلَيْهِ بِشَيْء وَكَذَلِكَ الْمُعْلن بالكبائر فَإِنَّهُ يُمكن أَن يبطن الْكفْر فِي بَاطِن أمره فَإِذا قرب من الْمَوْت آمن فَاسْتحقَّ الْجنَّة أَو لَعَلَّ لَهُ حَسَنَات فِي بَاطِن أمره تفيء على سيئاته فَيكون من أهل الْجنَّة فَلهَذَا وَجب أَن لَا نقطع على أحد بِعَيْنِه بجنة وَلَا نَار حاشا من جَاءَ النَّص فِيهِ من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم بِأَنَّهُم فِي الْجنَّة وَبِأَن الله علم مَا فِي قُلُوبهم فَأنْزل السكينَة عَلَيْهِم وَأهل بدر وَأهل السوابق فَإنَّا نقطع على هَؤُلَاءِ بِالْجنَّةِ لِأَن الله تَعَالَى أخبرنَا بذلك على لِسَان رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حاشا من مَاتَ مُعْلنا للكفر فَإنَّا نقطع عَلَيْهِ بالنَّار ونقف فِيمَن عدا هَؤُلَاءِ إِلَّا أننا نقطع على الصِّفَات فَنَقُول من مَاتَ مُعْلنا الْكفْر أَو مبطناً لَهُ فَهُوَ فِي النَّار خادلا فِيهَا وَمن لَقِي الله تَعَالَى رَاجِح الْحَسَنَات على السَّيِّئَات والكبائر أَو متساويهما فَهُوَ فِي الْجنَّة لَا يعذب بالنَّار وَمن لقى الله تَعَالَى رَاجِح الْكَبَائِر على الْحَسَنَات فَفِي النَّار وَيخرج مِنْهَا بالشفاعة إِلَى الْجنَّة وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَرَأَيْت بعض أَصْحَابنَا يذهب إِلَى شَيْء يُسَمِّيه شَاهد الْحَال وَهُوَ أَن من كَانَ مظهر الشَّيْء من الديانَات متحملاً للأذى فِيهِ غير مستجلب بِمَا يلقِي من ذَلِك حَالا فَإِنَّهُ مَقْطُوع على بَاطِنه وَظَاهره قطعا لَا شكّ فِيهِ كعمر بن عبد الْعَزِيز وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين وَمن جرى مجراهم مِمَّن قبلهم أَو مَعَهم أَو بعدهمْ فَإِن هَؤُلَاءِ رَضِي الله عَنْهُم رفضوا من الدُّنْيَا مَا لَو استعملوه لما حط من وجاهتهم شَيْئا وَاحْتَملُوا من المضض مَا لَو خففوه عَن أنفسهم لم يقْدَح ذَلِك فيهم عِنْد أحد فَهَؤُلَاءِ مَقْطُوع على إسْلَامهمْ عِنْد الله عز وَجل وعَلى خَيرهمْ وفضلهم وَكَذَلِكَ نقطع على أَن عمر بن عبيد كَانَ يدين بأبطال الْقدر بِلَا شكّ فِي بَاطِن أمره وَأَن أَبَا حنيفَة وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَا فِي بَاطِن أَمرهمَا يدينان لله تَعَالَى بِالْقِيَاسِ وَأَن دَاوُد بن عَليّ كَانَ فِي بَاطِن الْأَمر يدين الله تَعَالَى بِإِبْطَال الْقيَاس بِلَا شكّ وَإِن أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي اله عَنهُ كَانَ يدين الله تَعَالَى بالتدين بِالْحَدِيثِ فِي بَاطِن أمره بِلَا شكّ بِأَن الْقُرْآن غير مَخْلُوق بِلَا شكّ وَهَكَذَا كل من تناصرت أَحْوَاله وَظهر جده فِي مُعْتَقد وَترك الْمُسَامحَة فِيهِ وَاحْتمل الْأَذَى والمضض من أَجله
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا قَول صَحِيح لَا شكّ فِيهِ إِذْ لَا يُمكن الْبَتَّةَ فِي بنية الطبائع أَن يحْتَمل أحد أَذَى ومشقة لغير فَائِدَة يتعجلها أَو يتأجلها وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَلَا بُد لكل ذِي عقد من أَن يتَبَيَّن عَلَيْهِ شَاهد عقده بِمَا يَبْدُو مِنْهُ من مُسَامَحَة فِيهِ أَو صَبر عَلَيْهِ وَأما من كَانَ بِغَيْر الصّفة فَلَا نقطع عقده وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute