إِلَّا رد الرّوح إِلَى الْجَسَد وَرُجُوع الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية الَّتِي بعد عدمهَا مِنْهُ لم يكن غير هَذِه الْبَتَّةَ إِلَّا أَن أَبَا الْعَاصِ حكم بن الْمُنْذر بن سعيد القَاضِي أَخْبرنِي عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله الرعيني أَنه كَانَ يُنكر بعث الأجساد وَيَقُول أَن النَّفس حَال فراقها الْجَسَد تصير إِلَى معادها فِي الْجنَّة أَو النَّار ووقفت على هَذَا وَيَقُول أَن النَّفس حَال فراقها الْجَسَد تصير إِلَى معادها فِي الْجنَّة أَو النَّار ووقفت على هَذَا القَوْل بعض العارفين بِإِسْمَاعِيل فَذكر لي ثقاة مِنْهُم أَنهم سَمِعُوهُ يَقُول أَن الله تَعَالَى يَأْخُذ من الأجساد جُزْء الْحَيَاة مِنْهَا
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا تلبيس من القَوْل لم يخرج بِهِ عَمَّا حُكيَ لي عَنهُ حكم بن الْمُنْذر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الأجساد جُزْء الْحَيَاة إِلَّا النَّفس وَحدهَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلم ألق إِسْمَاعِيل الرعيني قطّ على أَنِّي قد أَدْرَكته وَكَانَ سَاكِنا معي فِي مَدِينَة من مداين الأندلس تسمى نجاية مُدَّة وَلكنه كَانَ مختفياً وَكَانَ لَهُ اجْتِهَاد عَظِيم ونسك وَعبادَة وَصَلَاة وَصِيَام وَالله أعلم وَحكم بن الْمُنْذر ثِقَة فِي قَوْله بعيد من الْكَذِب وتبرأ مِنْهُ حكم بن الْمُنْذر وَكَانَ قبل ذَلِك يجمعهما مَذْهَب بن مَسَرَّة فِي الْقدر وتبرأ مِنْهُ أَيْضا إِبْرَاهِيم بن سهل الأريواني وَكَانَ من رُؤُوس المرية وتبرأ مِنْهُ أَيْضا صهره أَحْمد الطَّبِيب وَجَمَاعَة من المرية وتولته جمَاعَة مِنْهُم وَبَلغنِي عَنهُ أَنه كَانَ يحْتَج لقَوْله هَذَا بقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا وقف على ميت فَقَالَ أما هَذَا فقد قَامَت قِيَامَته وَبِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَت الْأَعْرَاب تسأله عَن السَّاعَة ... فَينْظر إِلَى أَصْغَرهم فيخبرهم أَنه استوفى عَن يمت حَتَّى تقوم قيامتهم أَو ساعتهم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَإِنَّمَا عَنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا الْقيام الْمَوْت فَقَط بعد ذَلِك إِلَى يَوْم الْبَعْث كَمَا قَالَ عز وَجل {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة تبعثون} فنص تَعَالَى على أَن الْبَعْث يَوْم الْقِيَامَة بعد الْمَوْت بِلَفْظَة ثمَّ الَّتِي هِيَ للمهلة وَهَكَذَا أخبر عز وَجل عَن قَوْلهم يَوْم الْقِيَامَة {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا هَذَا} وَأَنه يَوْم مِقْدَاره خَمْسُونَ ألف سنة وَأَنه يحيي الْعِظَام وَيبْعَث من فِي الْقُبُور فِي مَوَاضِع كَثِيرَة من الْقُرْآن وبرهان ضَرُورِيّ وَهُوَ أَن الْجنَّة وَالنَّار موضعان ومكانان وكل مَوضِع وَمَكَان ومساحة متناهية بِحُدُودِهِ وبالبرهان الَّذِي قدمْنَاهُ على وجوب تناهي الإجسام وتناهى كل مَا لَهُ عدد وَيَقُول الله تَعَالَى {وجنة عرضهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَلَو لم يكن لتولد الْخلق نِهَايَة لكانوا أبدا يحدثُونَ بِلَا آخر وَقد علمنَا أَن مصيرهم الْجنَّة أَو النَّار ومحال مُمْتَنع غير مُمكن أَن يسع مَا لَا نِهَايَة لَهُ فيماله نِهَايَة من الماكن فَوَجَبَ ضَرُورَة أَن لِلْخلقِ نِهَايَة فَإِذا ذَلِك وَاجِب فقد وَجب تناهى عَالم الذَّر والتناسل ضَرُورَة وَإِنَّمَا كلامنا هَذَا مَعَ من يُؤمن بِالْقُرْآنِ وبنبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَادّعى الْإِسْلَام وَأما من أنكر الْإِسْلَام فكلامنا مَعَه على مَا رتبناه فِي ديواننا هَذَا من النَّقْض على أهل الْإِلْحَاد حَتَّى تثبت نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصِحَّة مَا جَاءَ بِهِ فنرجع إِلَيْهِ بعد التَّنَازُع وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَقد نَص الله تَعَالَى على أَن الْعِظَام يُعِيدهَا ويحيها كَمَا كَانَت أول مرّة وَأما اللَّحْم فَإِنَّمَا هُوَ كسْوَة كَمَا قَالَ {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مكين}