الآخر كَأَن يكون أَحدهمَا يكثر الذّكر فِي الصَّلَاة وَالْآخر يكثر الذّكر فِي حَال جُلُوسه وَمَا أشبه هَذَا وكإنسانين قَاتل أَحدهمَا فِي المعركة والموضع الْمخوف وَقَاتل الآخر فِي الرِّدَّة أَو جَاهد أَحدهمَا واشتغل الآخر بصيام وَصَلَاة تطوع أَو يجتهدان فيصادف أَحدهمَا ويحرمه الآخر فيفضل أَحدهمَا الآخر فِي هَذِه الْوُجُوه بِنَفس عمله أَو بَان ذَات عمله أفضل من ذَات عمل الآخر فَهَذَا هُوَ التَّفَاضُل فِي المائية من الْعَمَل وَأما الكمية وَهِي الْعرض فَإِن يكون أَحدهمَا يقْصد بِعَمَلِهِ وَجه الله تَعَالَى لَا يمزج بِهِ شَيْئا الْبَتَّةَ وَيكون الآخر يُسَاوِيه فِي جَمِيع عمله إِلَّا أَنه رُبمَا مزج بِعَمَلِهِ شَيْئا من حب الْبر فِي الدُّنْيَا وَأَن يستدفع بذلك الْأَذَى عَن نَفسه وَرُبمَا مزجه بِشَيْء من الرِّيَاء ففضله الأول بعرضه فِي عمله وَأما الْكَيْفِيَّة فَإِن يكون أَحدهمَا يُوفي عمله جَمِيع حُقُوقه ورتبه لَا منتقصاً وَلَا متزيداً وَيكون الآخر رُبمَا انْتقصَ بعض رتب ذَلِك الْعَمَل وسنته وَإِن لم يعطل مِنْهُ فرضا أَو يكون أَحدهمَا يصفى يصفى عمله من الْكَبَائِر وَرُبمَا بِمَا أُتِي الآخر بِبَعْض الْكَبَائِر ففضله الآخر بكيفية عمله وَأما لكم فَإِن يستوا فِي أَدَاء الْفَرْض وَيكون أَحدهمَا أَكثر نوافل ففضله هَذَا بِكَثْرَة عدد نوافله كَمَا رُوِيَ فِي رجلَيْنِ أسلما وهاجرا أَيَّام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ اسْتشْهد أَحدهمَا وعاش الآخر بعده سنة ثمَّ مَاتَ على فرَاشه فَرَأى بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحدهمَا فِي النّوم وَهُوَ آخرهما موتا فِي أفضل من حَال الشَّهِيد فَسَأَلَ عَن ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام كَلَام مَعْنَاهُ فَأَيْنَ صلَاته وصيامه بعده ففضل أَحدهمَا الآخر بِالزِّيَادَةِ الَّتِي زَادهَا عَلَيْهِ فِي عدد أَعماله وَأما الزَّمَان فكمن عمل فِي صدر الْإِسْلَام أَو فِي عَام المجاعة أَو فِي وَقت نازلة بِالْمُسْلِمين وَعمل غَيره بعد قُوَّة الْإِسْلَام وَفِي زمن رخاء وَأمن فَإِن الْكَلِمَة فِي أول الْإِسْلَام وَالتَّمْرَة وَالصَّبْر حِينَئِذٍ وركعة فِي لَك الْوَقْت تعدل اجْتِهَاد الْأَزْمَان الطوَال وجهادها وبذل الْأَمْوَال الجسام بعد ذَلِك وَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعوا إِلَيّ أَصْحَابِي فَلَو كَانَ لأحدكم مثل أحد ذَهَبا فأنفقه مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نيصفه فَكَانَ نصف مد شَعِيرًا وتمر فِي ذَلِك الْوَقْت أفضل من جبل أحد ذَهَبا ننفقه نَحن فِي سَبِيل الله عز وَجل بعد ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الْحسنى}
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا يكذب قَول أبي هَاشم مُحَمَّد بن عَليّ الجبائي وَقَول مُحَمَّد بن الطّيب الباقلاني فَإِن الجبائي قَالَ جَائِز أَن طَال عمر امْرِئ يعْمل مَا يوازي عمل نَبِي من الْأَنْبِيَاء وَقَالَ الباقلاني جَائِز أَن يكون فِي النَّاس من هُوَ أفضل من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَيْثُ بعث بِالنُّبُوَّةِ إِلَى أَن مَاتَ
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا كفر مُجَرّد وردة وَخُرُوج عَن دين الْإِسْلَام بِلَا مرية وَتَكْذيب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إخْبَاره أَنا لَا ندرك أحد من أَصْحَابه وَفِي إخْبَاره عَلَيْهِ السَّلَام عَن أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم بِأَنَّهُ لَيْسَ مثلهم وَأَنه اتقاهم لله وأعلمهم بِمَا يَأْتِي وَمَا يذر وَكَذَلِكَ قَالَت الْخَوَارِج والشيعة فَإِن الشِّيعَة يفضلون أنفسهم وهم شَرّ خلق الله عز وَجل على أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة وَجَمِيع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم حاشا عليا وَالْحسن وَالْحُسَيْن وعمار بن يَاسر والخوارج يفضلون أنفسهم وهم شَرّ خلق الله تَعَالَى وكلاب النَّار على عُثْمَان