للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقد أمرنَا الله تَعَالَى بتعظيم الْكَعْبَة والمساجد وَيَوْم الْجُمُعَة والشهر الحارم وَشهر رَمَضَان وناقة صَالح وَإِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر الله وَالْمَلَائِكَة والنبيين على جَمِيعهم صلوَات الله وَسَلَامه وَالصَّحَابَة أَكثر من تعظيمنا وتوقيرنا غير مَا ذكرنَا وَمن ذكرنَا من الْمَوَاضِع وَالْأَيَّام والنوق والأطفال وَالْكَلَام وَالنَّاس هَذَا مَا لَا شكّ فِيهِ وَهَذَا خَاصَّة كل فَاضل لَا يَخْلُو مِنْهَا فَاضل أصلا وَلَا يكون الْبَتَّةَ إِلَّا الْفَاضِل وَالْوَجْه الثَّانِي هُوَ إِيجَاب الله تَعَالَى لفاضل دَرَجَة فِي الْجنَّة أَعلَى من دَرَجَة الْمَفْضُول إِذْ لَا يجوز عِنْد أحد من خلق الله تَعَالَى أَن يَأْمر بإجلال الْمَفْضُول أَكثر من إجلال الْفَاضِل وَلَا أَن يكون الْمَفْضُول إِلَى دَرَجَة فِي الْجنَّة من الْفَاضِل وَلَو جَازَ ذَلِك لبطل معنى الْفضل جملَة ولكان لفظا لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَا معنى تَحِيَّة وَهَذَا الْوَجْه الثَّانِي الَّذِي هُوَ علو الدرجَة فِي الْجنَّة هُوَ خَاصَّة لكل فَاضل يعْمل فَقَط من الْمَلَائِكَة والأنس وَالْجِنّ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَكل مَا هُوَ مَأْمُور بتعظيمه فَاضل وكل فَاضل فمأمور بتعظيمه وَلَيْسَ الْإِحْسَان وَالْبر والتوقير والتذلل المفترض فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافرين من التَّعْظِيم فِي شَيْء فقد يحسن الْمَرْء إِلَى من لَا يعظم وَلَا يهبن كإحسان الْمَرْء إِلَى جَاره وَغُلَامه وأجيره وَلَا يكون ذَلِك تَعْظِيمًا وَقد يبر الْإِنْسَان جَاره وَالشَّيْخ من أكرته (١) وَلَا يُسمى ذَلِك تَعْظِيمًا وَقد يوفر الْإِنْسَان من يخَاف ضره وَلَا يُسمى ذَلِك تَعْظِيمًا وَقد يتذذلل الْإِنْسَان للمتسلط الظَّالِم وَلَا يُسمى ذَلِك تَعْظِيمًا وَفرض على كل مُسلم الْبَرَاءَة من أَبَوَيْهِ الْكَافرين وعداوتهما فِي الله عز وَجل قَالَ الله عز وَجل {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبْنَاءَهُم أَو إخْوَانهمْ أَو عشيرتهم أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان وأيدهم بِروح مِنْهُ} وَقَالَ عز وَجل {قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه إِذْ قَالُوا لقومهم إِنَّا برَاء مِنْكُم وَمِمَّا تَعْبدُونَ من دون الله كفرنا بكم وبدا بَيْننَا وَبَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء أبدا حَتَّى تؤمنوا بِاللَّه وَحده} وَقَالَ عز وَجل {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عَدو لله تَبرأ مِنْهُ إِن إِبْرَاهِيم لأواه حَلِيم} فقد صَحَّ بِيَقِين أَن مَا وَجب لِلْأَبَوَيْنِ الْكَافرين من بر وإحسان وتذلل لَيْسَ هُوَ التَّعْظِيم الْوَاجِب لمن فَضله الله عز وَجل لِأَن التَّعْظِيم الْوَاجِب لمن فَضله الله عز وَجل هُوَ مَوَدَّة فِي الله ومحبة فِيهِ وَولَايَة لَهُ وَأما الْبر الْوَاجِب لِلْأَبَوَيْنِ الْكَافرين والتذلل لَهما وَالْإِحْسَان إِلَيْهِمَا فَكل ذَلِك مُرْتَبِط بالعداوة وَللَّه تَعَالَى وللبراءة مِنْهُ وَإِسْقَاط الْمَوَدَّة كَمَا قَالَه تَعَالَى فِي نَص الْقُرْآن وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَقد يكون دُخُول الْجنَّة اخْتِصَاص مُجَردا دون عمل وَذَلِكَ للأطفال كَمَا ذكرنَا قبل فَإذْ قد صَحَّ مَا ذكرنَا قبل يَقِينا بِلَا خلاف من أحد فِي شَيْء مِنْهُ فبيقين نَدْرِي أَنه لَا تَعْظِيم يسْتَحقّهُ أحد من النَّاس فِي الدُّنْيَا بِإِيجَاب الله تَعَالَى علينا بعد التَّعْظِيم الْوَاجِب علينا للأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام أوجب وَلَا أوكد مِمَّا ألزمناه الله تَعَالَى من التَّعْظِيم الْوَاجِب علينا لِنسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقول الله تَعَالَى {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} فَأوجب الله لَهُنَّ حكم الأمومة على كل مُسلم هَذَا سوى حق إعظامهن بالصحبة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَهُنَّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُن مَعَ ذَلِك حق الصُّحْبَة لَهُ كَسَائِر الصَّحَابَة إِلَّا أَن لَهُنَّ من الِاخْتِصَاص فِي الصُّحْبَة ووكيد الْمُلَازمَة لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام ولطيف الْمنزلَة عِنْده عَلَيْهِ السَّلَام والقرب مِنْهُ والحظوة لَدَيْهِ مَا لَيْسَ لأحد من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَمن أَعلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>