للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَسلم أَنه قَالَ أَنْتُم من أحب النَّاس إِلَيّ وَهُوَ حَدِيث وَاحِد وَزِيَادَة الْعدْل مَقْبُولَة فصح بِزِيَادَة من فِي الحَدِيث من طَرِيق الْعُدُول أَن الْأَنْصَار وزيدا وَأُسَامَة رَضِي الله عَنْهُم من جملَة قوم هم أحب النَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا حق لَا يشك فِيهِ لأَنهم من أَصْحَابه وَأَصْحَابه أحب النَّاس إِلَيْهِ بِلَا شكّ وَلَيْسَ هَكَذَا جَوَابه فِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِذْ سُئِلَ فِي أحب النَّاس إِلَيْك فَقَالَ عَائِشَة فَقيل من الرِّجَال قَالَ أَبوهَا لِأَن هَذَا قطع على بَيَان مَا سَأَلَ عَنهُ السَّائِل من معرفَة من الْمُنْفَرد الْبَائِن عَن النَّاس بمحبته عَلَيْهِ السَّلَام وَاعْترض علينا بعض الأشعرية بِأَن قَالَ إِن الله تَعَالَى يَقُول {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء} فصح أَن محبته عَلَيْهِ السَّلَام لمن أحب لَيْسَ فضولا لِأَنَّهُ قد أحب عَمه وَهُوَ كَافِر

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) فَقُلْنَا أَن هَذِه الْآيَة لَيست على مَا ظن وَإِنَّمَا مُرَاد الله تَعَالَى {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} أَي أَحييت هداه برهَان ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء} أَي من يَشَاء هداه وَفرض على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعلينا أَن نحب الْهدى لكل كَافِر لَا أَن نحب الْكَافِر وَأَيْضًا فَلَو صَحَّ أَن معنى الْآيَة من أَحْبَبْت كَمَا ظن هَذَا الْمُعْتَرض لما كَانَ علينا بذلك حجَّة لِأَن هَذِه آيَة مَكِّيَّة نزلت فِي أبي طَالب ثمَّ أنزل الله تَعَالَى فِي الْمَدِينَة لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وباليوم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبْنَاءَهُم أَو إخْوَانهمْ أَو عشيرتهم وَأنزل الله تَعَالَى فِي الْمَدِينَة {قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه إِذْ قَالُوا لقومهم إِنَّا برَاء مِنْكُم وَمِمَّا تَعْبدُونَ من دون الله كفرنا بكم وبدا بَيْننَا وَبَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء أبدا حَتَّى تؤمنوا بِاللَّه وَحده} وَإِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب أَبَا طَالب فقد حرم الله تَعَالَى عَلَيْهِ بعد ذَلِك وَنَهَاهُ عَن محبته وافترض عَلَيْهِ عداوته وبالضرورة يدْرِي كل ذِي حس سليم أَن الْعَدَاوَة والمحبة لَا يَجْتَمِعَانِ أصلا والمودة هِيَ الْمحبَّة فِي اللُّغَة الَّتِي بهَا نزل الْقُرْآن بِلَا خلاف من أحد من أهل اللُّغَة فقد بَطل أَن يحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدا غير مُؤمن وَمن قد صحت النُّصُوص وَالْإِجْمَاع على أَن محبَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن أحب فَضِيلَة وَذَلِكَ كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام لعَلي لَأُعْطيَن الرابة غَدا رجلا يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله فَإذْ لَا شكّ وَلَا خلاف فِي أَن محبَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف مَا قَالَ أهل الْجَهْل وَالْكذب فقد صَحَّ يَقِينا أَن كَانَ أتم حظاً فِي الْفَضِيلَة فَهُوَ فضل مِمَّن هُوَ أقل حظاً فِي تِلْكَ الْفَضِيلَة هَذَا شَيْء يعلم ضَرُورَة فَإِذا كَانَت عَائِشَة أتم حظاً فِي الْمحبَّة الَّتِي هِيَ أتم فَضِيلَة فَهِيَ أفضل مِمَّن حَظه فِي ذَلِك أقل من حظها وَلذَلِك لما قيل لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام من الرِّجَال قَالَ أَبوهَا ثمَّ عمر فَكَانَ ذَلِك مُوجبا لفضل أبي بكر ثمَّ عمر على سَائِر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَالْحكم بِالْبَاطِلِ لَا يجوز فِي أَن يكون يقدم أَبُو بكر ثمَّ عمر فِي الْفضل من أجل تقدمها فِي الْمحبَّة عَلَيْهِمَا وَمَا نعلم نصا فِي وجوب القَوْل بِتَقْدِيم أبي بكر ثمَّ عمر على سَائِر الصَّحَابَة إِلَّا هَذَا الْخَبَر وَحده

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَقد نَص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا ينْكح لَهُ من النِّسَاء فَذكر الْحسب وَالْمَال وَالْجمال وَالدّين وَنهي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كل ذَلِك بقوله فَعَلَيْك بِذَات الدّين تربت يداك فَمن الْمحَال الْمُمْتَنع أَن يكون يحض على نِكَاح النِّسَاء واختيارهن للدّين فَقَط ثمَّ يكون هُوَ عَلَيْهِ السَّلَام يُخَالف ذَلِك فيحب عَائِشَة لغير الدّين وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام لَا يحل لمُسلم أَن يظنّ فِي ذَلِك شَيْئا غير الْفضل عِنْد الله تَعَالَى فِي الدّين فوصف الرجل امْرَأَته للرِّجَال لَا يرضى بِهِ إِلَّا خسيس نذل سَاقِط وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>