وَلَا سَبِيل إِلَّا الِاتِّفَاق عَلَيْهَا إِلَّا بلغَة اخرى وَلَا بُد فصح أَنه لَا بُد من مبدأ للغة مَا وكالحرث والحصاد والدراس والطحن وآلاته والعجن والطبخ والحلب وحراسة الْمَوَاشِي واتخاذ الْإِنْسَان مِنْهَا وَالْغَرْس واستخراج الأدهان ودق الْكَتَّان والقنب والقطن وغزله وحياكته وقطعه وخياطته ولبسه وآلات كل ذَلِك وآلات الْحَرْث والإرحاء والسفن وتدبيرها فِي الْقطع بهَا للبحار والدواليب وحفر الْآبَار وتربية النَّحْل ودود الْخَزّ واستخراج الْمَعَادِن وَعمل الْأَبْنِيَة مِنْهَا وَمن الْخشب والفخار وكل هَذَا لَا سَبِيل إِلَى الاهتداء إِلَيْهِ دون تَعْلِيم فَوَجَبَ بِالضَّرُورَةِ وَلَا بُد أَنه لَا بُد من إِنْسَان وَاحِد فَأكْثر علمهمْ الله تَعَالَى ابْتِدَاء كل هَذَا دون معلم لَكِن بِوَحْي حَقَّقَهُ عِنْده وَهَذِه صفة النُّبُوَّة فَإِذا لَا بُد من نَبِي أَو انبياء ضَرُورَة فقد صَحَّ وجود النُّبُوَّة وَالنَّبِيّ فِي الْعَالم بِلَا شكّ وَمن الْبُرْهَان على مَا ذكرنَا أننا نجد كل من لم يُشَاهد هَذِه الْأُمُور لَا سَبِيل لَهُ إِلَى اختراعها الْبَتَّةَ كَالَّذي يُولد وَهُوَ أَصمّ فَإِنَّهُ لَا يُمكن لَهُ الْبَتَّةَ الاهتداء إِلَى الْكَلَام وَلَا إِلَى مخارج الْحُرُوف وكالبلاد الَّتِي لَيست فِيهَا بعض الصناعات وَهَذِه الْعُلُوم الْمَذْكُورَة كبلاد السودَان والصقالبة وَأكْثر الْأُمَم وسكان الْبَوَادِي نعم والحواضر لَا يُمكن الْبَتَّةَ مُنْذُ أول الْعَالم إِلَى وقتنا هَذَا وَلَا إِلَى انقضائه اهتداء أحد مِنْهُم إِلَى علم لم يعرفهُ وَلَا إِلَى صناعَة لم يعرف بهَا فَلَا سَبِيل إِلَى تهديهم إِلَيْهَا الْبَتَّةَ حَتَّى يعلموها وَلَو كَانَ مُمكنا فِي الطبيعة التهدي إِلَيْهَا دون تَعْلِيم لوجد من ذَلِك فِي الْعَالم على سعته وعَلى مُرُور الْأَزْمَان من يَهْتَدِي إِلَيْهَا وَلَو وَاحِدًا وَهَذَا أَمر يقطع على أَنه لَا يُوجد وَلم يُوجد وَهَكَذَا القَوْل فِي الْعُلُوم وَلَا فرق ولسنا نعني بِهَذَا ابْتِدَاء جمعهَا فِي الْكتب لِأَن هَذَا أَمر لَا مُؤنَة فِيهِ إِنَّمَا هُوَ كتاب مَا سَمعه الْكَاتِب وإحصاؤه فَقَط كالكتب الْمُؤَلّفَة فِي الْمنطق وَفِي الطِّبّ وَفِي الهندسة وَفِي النُّجُوم وَفِي الْهَيْئَة والنحو واللغة وَالشعر وَالْعرُوض إِنَّمَا نعني ابْتِدَاء مُؤنَة اللُّغَة وَالْكَلَام بهَا وَابْتِدَاء معرفَة الْهَيْئَة وتعلمها وَابْتِدَاء أشخاص الْأَمْرَاض وأنواعها وقوى العقاقير والمعاناة بهَا وَابْتِدَاء معرفَة الصناعات فصح بذلك أَنه لَا بُد من وَحي من الله تَعَالَى فِي ذَلِك
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا أَيْضا برهَان ضَرُورِيّ على حُدُوث الْعَالم وَأَن لَهُ مُحدثا مُخْتَارًا وَلَا بُد إِذْ لَا بَقَاء للْعَالم الْبَتَّةَ إِلَّا بنشأة ومعاش وَلَا نشأة وَلَا معاش وَلَا معاش إِلَّا بِهَذِهِ الْأَعْمَال والصناعات والآلات وَلَا يُمكن وجود شَيْء من هَذِه كلهَا إِلَّا بتعليم الْبَارِي فصح أَن الْعَالم لم يكن مَوْجُودا إِذْ لَا سَبِيل إِلَى بَقَائِهِ إِلَّا بِمَا ذكرنَا ثمَّ وجد معلما مُدبرا مُبْتَدأ بتعليمه على مَا ذكرنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ وَإِذ قد تكلمنا على أَنه لَا بُد من نبوة وَصَحَّ ذَلِك ضَرُورَة فلنتكلم على براهينها الَّتِي يَصح بهَا علم صدق مدعيها إِذْ وَقعت فَنَقُول أَنه قد صَحَّ أَن الْبَارِي تَعَالَى هُوَ فَاعل كل شَيْء ظهر وَأَنه قَادر على إِظْهَار كل متوهم لم يظْهر وَعلمنَا بِكُل مَا قدمنَا أَنه تَعَالَى مُرَتّب هَذِه الرتب الَّتِي فِي الْعَالم ومجريها على طبائعها الْمَعْلُومَة منا الْمَوْجُودَة عندنَا وَأَنه لَا فَاعل على الْحَقِيقَة غَيره تَعَالَى ثمَّ رَأينَا خلافًا لهَذِهِ الرتب والطبائع قد ظَهرت وَوجدنَا طبائع قد أحيلت وَأَشْيَاء فِي حد الْمُمْتَنع وَقد وَجَبت وَوجدت كصخرة انفلقت عَن نَاقَة وعصا انقلبت حَيَّة وميت أَحْيَاهُ إِنْسَان ومئين من النَّاس رووا وتوضؤا كلهم من مَاء يسير فِي قدح صَغِير ضيق عَن بسط
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute