وَقَوله تَعَالَى {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} وَدَعوى الارتباط هَاهُنَا قَول بِلَا برهَان لامن قُرْآن وَلَا من سنة وَلَا من إِجْمَاع وَلَا من مَعْقُول وهم قد أَجمعُوا على أَن طَهَارَة الإِمَام لَا تنوب عَن طَهَارَة الْمَأْمُوم وَلَا قِيَامه وَلَا قعوده عَن قعوده وَلَا سُجُوده عَن سُجُوده وَلَا رُكُوعه عَن رُكُوعه وَلَا نِيَّته عَن نِيَّته فَمَا معنى هَذَا الارتباط الَّذِي تَدعُونَهُ إِذا وَأَيْضًا فَإِن الْقطع عَن سريرة الَّذِي ظَاهره الْفضل لَا يجوز وَإِنَّمَا هُوَ ظن فَاسْتَوَى الْأَمر فِي ذَلِك فِي الْفَاضِل وَالْفَاسِق وَصَحَّ أَنه لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد وَإِن كَانَ أحد يُصَلِّي عَن نَفسه وَقَالَ تَعَالَى {أجِيبُوا دَاعِي الله} فَوَجَبَ بذلك ضَرُورَة أَن كل دَاع دَعَا إِلَى خير من صَلَاة أَو حج أَو جِهَاد أَو تعاون على بر وتقوى فَفرض إجَابَته وَعمل ذَلِك الْخَيْر مَعَه لقَوْل الله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} وَإِن كل دَاع دعى إِلَى شَرّ فَلَا يجوز إجَابَته بل فرض دفاعه وَمنعه وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأَيْضًا فَإِن الْفسق منزلَة نقص عَمَّن هُوَ أفضل مِنْهُ وَالَّذِي لَا شكّ فِيهِ أَن النِّسْبَة بَين أفجر فَاجر من الْمُسلمين وَبَين أفضل الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أقرب من النِّسْبَة بَين أفضل الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا عرى أحد من تعمد ذَنْب وتقصير بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا تفاضل الْمُسلمُونَ فِي كَثْرَة الذُّنُوب وقلتها وَفِي اجْتِنَاب الْكَبَائِر ومواقعتها وَأما الصَّغَائِر فَمَا نجاأحد بعد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَقد صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلف أبي بكر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَبِهَذَا صَحَّ أَن أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله فَإِن اسْتَووا فأفقههم ندب لَا فرض فَلَيْسَ لفاضل بعد هَذَا أَن يمْتَنع من الصَّلَاة خلف من هُوَ دونه فِي القصوى من الغايات.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأما دفع الزَّكَاة إِلَى الإِمَام فَإِن كَانَ الإِمَام الْقرشِي الْفَاضِل أَو الْفَاسِق لم ينازعه فَاضل فَهِيَ جَارِيَة لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارضوا مصدقيكم وَلَا يكون مُصدقا كل من سمى نَفسه مُصدقا لَكِن من قَامَ الْبُرْهَان بِأَنَّهُ مُصدق بإرسال الإِمَام الْوَاجِبَة طَاعَته لَهُ وَإِمَّا من سَأَلَهَا من هُوَ غير الإِمَام الْمَذْكُور أَو غير مصدقه فَهُوَ عَابِر سَبِيل لَا حق فِي قبضهَا فَلَا يَجْزِي دَفعهَا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ دَفعهَا إِلَى غير من أَمر بدفعها إِلَيْهِ وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد وَهَكَذَا القَوْل فِي الْأَحْكَام كلهَا من الْحُدُود وَغَيرهَا إِن أَقَامَهَا الإِمَام الْوَاجِبَة طَاعَته وَالَّذِي لَا بُد مِنْهُ فَإِن وَافَقت الْقُرْآن وَالسّنة نفذت وَإِلَّا فَهِيَ مَرْدُودَة لما ذكرنَا وَإِن أَقَامَهَا غير الامام أوواليه فَهِيَ كلهَا مَرْدُودَة وَلَا يحْتَسب بهَا لِأَنَّهُ أَقَامَهَا من لم يُؤمر بإقامتها فَإِن لم يقدر عَلَيْهَا الإِمَام فَكل من قَامَ بِشَيْء من الْحق حِينَئِذٍ نفذ لأمر الله تَعَالَى لنا بِأَن نَكُون قوامين بِالْقِسْطِ وَلَا خلاف بَين أحد من الْأمة اذا كَانَ الإِمَام حَاضرا مُتَمَكنًا أَو أميره أَو واليه فَإِن من بَادر إِلَى تَنْفِيذ حكم هُوَ إِلَى الإِمَام فَإِنَّهُ إِمَّا مظْلمَة ترد وَإِمَّا عزل لَا ينفذ على هَذَا جرى عمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيع عماله فِي الْبِلَاد بِنَقْل جَمِيع الْمُسلمين عصراً بعد عصر ثمَّ عمل جَمِيع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَأما الْجِهَاد فَهُوَ وَاجِب مَعَ كل إِمَام وكل متغلب وكل بَاغ وكل محَارب من الْمُسلمين لِأَنَّهُ تعاون على الْبر وَالتَّقوى وَفرض على كل أحد دَعَا إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى دين الْإِسْلَام وَمنع الْمُسلمين مِمَّن أَرَادَهُم قَالَ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وخذوهم واحصروهم واقعدوا لَهُم كل مرصد}