للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة بنسخه وَلَو سلم من الكفرات الصلع الَّتِي ذكرنَا وَإِنَّمَا ذكرنَا عَنهُ مَا جرى لنا من ذكره ولغرابة هَذَا القَوْل الْيَوْم وَقلة الْقَائِلين بِهِ من النَّاس وَرَأَيْت لأبي هَاشم عبد السَّلَام بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الجبائي كَبِير الْمُعْتَزلَة وَابْن كَبِيرهمْ الْقطع بِأَن لله تَعَالَى أحوالاً مُخْتَصَّة بِهِ وَهَذِه عَظِيمَة جدا إِذْ جعله حَامِلا للأعراض تَعَالَى عَن هَذَا الأفك وَرَأَيْت لَهُ الْقطع فِي كتبه كثيرا يردد القَوْل بِأَنَّهُ يجب على الله أَن يزيح علل الْعباد فِي كل مَا أَمرهم بِهِ وَلَا يزَال يَقُول فِي كتبه أَن أَمر كَذَا لم يزل وَاجِبا على الله

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا كَلَام تقشعر مِنْهُ ذوائب الْمُؤمن لَيْت شعري من الْمُوجب ذَلِك على الله تَعَالَى وَالْحَاكِم عَلَيْهِ بذلك والملزم لَهُ مَا ذكر هَذَا النذل لُزُومه للباري تَعَالَى ووجوبه عَلَيْهِ فيا لله لمن قَالَ أَن الْفِعْل أوجب ذَلِك على الله تَعَالَى أَو ذكر شَيْئا دونه تَعَالَى ليصرحن بِأَن الله تَعَالَى متعبد للَّذي أوجب عَلَيْهِ مَا أوجب مَحْكُوم عَلَيْهِ مُدبر وَأَنه للكفر الصراح وَلَئِن قَالَ أَنه تَعَالَى هُوَ الَّذِي أوجب ذَلِك على نَفسه فالإيجاب فعل فَاعل لَا شكّ فَإِن كَانَ الله لم يزل مُوجبا ذَلِك على نَفسه فَلم يزل فَاعِلا فالأفعال قديمَة وَلَا بُد لم تزل وَهَذِه دهرية مَحْضَة وَإِن كَانَ تَعَالَى أوجب ذَلِك على نَفسه بعد أَن لم يكن مُوجبا لَهُ فقد بَطل انتفاعه بِهَذَا القَوْل فِي أَصله الْفَاسِد لِأَنَّهُ قد كَانَ تَعَالَى غير وَاجِب عَلَيْهِ مَا ذكر وَرَأَيْت لبَعض الْمُعْتَزلَة سؤالا سَائل عَنهُ أَبَا هَاشم الْمَذْكُور يَقُول فِيهِ مَا بَال كل من بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَاعيا إِلَى الْإِسْلَام إِلَى الْيمن والبحرين وعمان والملوك وَسَائِر الْبِلَاد وكل من يَدْعُو إِلَى مثل ذَلِك إِلَى يَوْم الْبَعْث لَا يُسمى رَسُول الله كَمَا سمى مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام إِذْ أمره الْملك عَن الله عز وَجل بِالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَام وَالْأَمر وَاحِد وَالْعَمَل سَوَاء

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) فَأُعْجِبُوا لتلاعب إِبْلِيس بِهَذِهِ الْفرْقَة الملعونة وسلوا الله الْعَافِيَة من أَن يكلكم إِلَى أَنفسكُم فَحق لمن دينه أَن ربه لَا يقدر على أَن يهديه وَلَا على أَن يضله إِن يتَمَكَّن الشَّيْطَان مِنْهُ هَذَا التَّمَكُّن ولعمري أَن هَذَا السُّؤَال لقد لزم أصل الْمُعْتَزلَة المضل لَهُم وَلمن الْتَزمهُ والمورد لجميعهم نَار جَهَنَّم وَهُوَ قَوْلهم أَن التَّسْمِيَة موكولة إِلَيْنَا لَا إِلَى الله عز وَجل وَرَأَيْت لهَذَا الْكَافِر أبي هَاشم كلَاما رد فِيهِ بِزَعْمِهِ على من يَقُول أَنه لَيْسَ لأحد أَن يُسَمِّي الله عز وَجل إِلَّا بِمَا سمى بِهِ نَفسه فَقَالَ هَذَا النذل لَو كَانَ هَذَا وَلم يجز لأحد أَن يُسمى الله تَعَالَى عز وَجل إِلَّا بِمَا سمى بِهِ نَفسه لَكَانَ غير جَائِز لله أَن يُسمى بِهِ نَفسه باسم حَتَّى يُسَمِّيه بِهِ غَيره

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) فَهَل يَأْتِي الْمُرُور بأقبح من هَذَا الِاسْتِدْلَال وَهل فِي التَّسْمِيَة أَكثر من هَذَا وَلَكِن من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ ونعوذ بِاللَّه من أَن يكلنا إِلَى أَنْفُسنَا طرفَة عين فنهلك وَكَانَ أَبُو هَاشم أَيْضا يَقُول أَنه لَو طَال عمر الْمُسلم المحسن لجَاز أَن يعْمل من الْحَسَنَات وَالْخَيْر أَكثر مِمَّا عمل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) لَا وَالله وَلَا كَرَامَة وَلَو عمر أَحَدنَا الدَّهْر كُله فِي طاعات مُتَّصِلَة مَا وازى عمل امريء صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير الْمُنَافِقين وَالْكفَّار المجاهرين سَاعَة وَاحِدَة فَمَا فَوْقهَا مَعَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَو كَانَ لِأَحَدِنَا مثل أحد ذَهَبا فأنفقه مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه فَمَتَى يطْمع ذُو عقل أَن يدْرك أحدا من الصَّحَابَة مَعَ هَذَا القون الْمُمْتَنع إِدْرَاكه قطعا وَكَانَ أَبُو هَاشم الْمَذْكُور يَقُول أَنه لَا يقبل تَوْبَة أحد من ذَنْب عمله أَي ذَنْب كَانَ حَتَّى يَتُوب من جَمِيع الذُّنُوب

<<  <  ج: ص:  >  >>