بِهَذَا أحد مِمَّن ينتمي إِلَى الْإِسْلَام قبل أبي الْهُذيْل العلاف ثمَّ تلاه هَؤُلَاءِ وَهَذَا خلاف مُجَرّد لِلْقُرْآنِ وَتَكْذيب لله عز وَجل إِذْ يَقُول {اخْرُجُوا أَنفسكُم الْيَوْم تُجْزونَ عَذَاب الْهون} وَإِذ يَقُول عز وَجل {وَلَا تَقولُوا لمن يقتل فِي سَبِيل الله أموات بل أَحيَاء وَلَكِن لَا تشعرون} وَقَالَ عز وَجل {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين بِمَا آتَاهُم الله من فَضله ويستبشرون بالذين لم يلْحقُوا بهم من خَلفهم إِلَّا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} وَلقَوْله تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى} وَخلاف السّنَن الثَّابِتَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المنقولة نقل التَّوَاتُر من رُؤْيَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام لَيْلَة أسرِي بِهِ فِي السَّمَاء وَمَا جرى لَهُ مَعَه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي عدد الصَّلَوَات المفروضات وَأَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء نسمَة تعلق فِي ثمار الْجنَّة وَمَا يلقى الرّوح عِنْد خُرُوجه من الْفِتْنَة والمسائلة وإخباره عَلَيْهِ السَّلَام أَنه رأى عَن يَمِين آدم أَسْوِدَة نسم بنيه من أهل الْجنَّة وَعَن يسَاره أَسْوِدَة نسم بنيه من أهل النَّار وَسَائِر السّنَن المأثورة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ثمَّ خجلوا من هَذِه الْعَظِيمَة وتبرأ مِنْهُم إِبْلِيس الَّذِي ورطهم فِيهَا فشلوا فَقَالُوا فِي كتبهمْ فَإِن لم يكن هَذَا فَإِن الرّوح تنْتَقل عِنْد خُرُوجهَا من الْجِسْم إِلَى جسم آخر هَكَذَا نَص الباقلاني فِي أحد كتبه وَأَظنهُ الرسَالَة الْمَعْرُوفَة بِالْحرَّةِ وَهَذَا مَذْهَب التناسخ بِلَا كلفة وَقَالَ السمناني فِي كِتَابه أَن الباقلاني وَأَصْحَابه قَالُوا أَن كل مَا جَاءَ فِي الْخَبَر من نقل أَرْوَاح الشُّهَدَاء إِلَى حواصل طير خضر وَأَن روح الْمَيِّت ترتد إِلَيْهِ فِي قَبره وَمَا جرى مجْرى ذَلِك من وصف الرّوح بِالْقربِ والبعد وَالْحَرَكَة والانتقال والسكون وَالْعَذَاب فَكل ذَلِك مَحْمُول على أقل جُزْء من أَجزَاء الْمَيِّت والشهيد أَو الْكَافِر وإعادة الْحَيَاة فِي ذَلِك الْجُزْء
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا طَرِيق من الهوس جدا وتطايب بِالدّينِ وَلَقَد أَخْبرنِي ثِقَة من أَصْحَابِي أَنه سمع بعض مقدميهم يَقُول أَن الرّوح إِنَّمَا تبقى فِي عجب الذَّنب لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل ابْن آدم يَأْكُلهُ التُّرَاب إِلَّا عجب الذَّنب مِنْهُ خلق وَفِيه يركب
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا التَّأْوِيل أقرب إِلَى الْهزْل مِنْهُ إِلَى أَقْوَال أهل الْإِسْلَام ونعوذ بِاللَّه من الخذلان فَإِنَّمَا هَذِه ستائر دون مَذْهَبهم الْخَبيث الَّذِي ذكرنَا آنِفا وَقَالُوا كلهم أَن النّظر فِي دَلَائِل الْإِسْلَام فرض وَأَنه لَا يكون مُسلما حَتَّى ينظر فِيهَا وَأَن من شَرط النَّاظر فِيهَا أَن يكون وَلَا بُد شاكا فِي الله عز وَجل وَفِي صِحَة النُّبُوَّة وَلَا يَصح النّظر فِي دَلَائِل النُّبُوَّة وَدَلَائِل التَّوْحِيد لمن يعْتَقد صِحَّتهَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَالله مَا سمع سامع قطّ بادخل فِي الْكفْر من قَول من أوجب الشَّك فِي الله تَعَالَى وَفِي صِحَة النُّبُوَّة فرضا على كل متعلم لانجاه لَهُ إِلَّا بِهِ وَلَا دين لَا حد دونه وَأَن اعْتِقَاد صِحَة التَّوْحِيد لله تَعَالَى وَصِحَّة النُّبُوَّة بَاطِل لَا يحل فَحصل من كَلَامهم أَن من لم يشك فِي الله تَعَالَى وَلَا فِي صِحَة النُّبُوَّة فَهُوَ كَافِر وَمن شكّ فيهمَا فَهُوَ محسن مؤد مَا وَجب عَلَيْهِ وَهَذِه فضيحة وحماقة اللَّهُمَّ إِنَّا نبرأ إِلَيْك من هَذَا القَوْل وَمن كَانَ قَائِل بِهِ ثمَّ لم يَجدوا فِي أمد الِاسْتِدْلَال حدا فليت شعري على هَذَا القَوْل الملعون وَهُوَ ومعتقده والداعي إِلَيْهِ كَيفَ يكون حَال من قبل وصيتهم هَذِه الَّتِي هِيَ وَصِيَّة الشَّيْطَان الرَّجِيم فَتبين بِالشَّكِّ فِي الله تَعَالَى وَفِي النُّبُوَّة وامتد بِهِ أمد الِاسْتِدْلَال أَيَّامًا وأشهراً وساعات مَاتَ فِيهَا أَيْن مستقره ومصيره إِلَى النَّار وَالله خَالِدا