من السحر يكون بالرقي وَهُوَ كَلَام مَجْمُوع من حُرُوف مقطعه فِي طوالع مَعْرُوفَة أَيْضا يحدث لذَلِك التَّرْكِيب قُوَّة تستثار بهَا الطبائع وتدافع قوى أخر وَقد شاهدنا وجربنا من كَانَ يرقي الدمل الحاد الْقوي الظُّهُور فِي أول ظُهُوره فييبس يبْدَأ من يَوْمه ذَلِك بالذبول وَيتم يبسه فِي الْيَوْم الثَّالِث ويقلع كَمَا تقلع قشرة القرحة إِذا تمّ يبسها جربنَا من ذَلِك مَا لَا نحصيه وَكَانَت هَذِه الْمَرْأَة ترقي أحد دملين قد دفعا على إِنْسَان وَاحِد وَلَا ترقي الثَّانِي فيبس الَّذِي رقت وَيتم ظُهُور الَّذِي لم ترق ويلقي حامله مِنْهُ الْأَذَى الشَّديد وشاهدنا من كَانَ يرقي الورم الْمَعْرُوف بالخنازير فيندمل مَا يفتح مِنْهَا ويذبل مَا لم ينفتح وَيبرأ كل ذَلِك الْبُرْء التَّام كَانَ لَا يزَال يفعل ذَلِك فِي النَّاس وَالدَّوَاب وَمثل هَذَا كثير جدا وَقد اُخْبُرْنَا من خَبره عندنَا كمشاهدتنا لِثِقَتِهِ وتجريبنا لصدقة وفضله انه شَاهد مَا لَا يحصي نسَاء يتكلمن على الَّذين يمخضون الزّبد من اللَّبن بِكَلَام فَلَا يخرج من ذَلِك اللَّبن زبد وَلَا فرق بَين هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وَبَين ملاقاة فضلَة الصَّفْرَاء بالسقمونيا وملاقاة ضعف الْقلب بالكندر وكل هَذِه الْمعَانِي جَارِيَة على رُتْبَة وَاحِدَة من طلب علم ذَلِك أركه وَمِنْه مَا يكون بالخاصة كالحجر الجاذب للحديد وَمَا أشبه ذَلِك وَمِنْه مَا يكون لطف يَد كحيل أبي الْعَجَائِب الَّتِي شَاهدهَا النَّاس وَهِي أَعمال لَطِيفَة لَا تحيل طبعا اصلا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وكل هَذِه الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا لَيست من بَاب معجزات الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَلَا من بَاب مَا يَدعِيهِ أهل الْكَذِب للسحرة وَالصَّالِحِينَ لِأَن معجز الْأَنْبِيَاء هُوَ خَارج عَن الرتب وَعَن طبائع كل مَا فِي الْعَالم وَعَن بنية الْعَالم لَا يجْرِي شَيْء من ذَلِك على قانون وَلَا على سنَن مَعْلُوم لَكِن قلب عين وإحالة صِفَات ذاتية كشق الْقَمَر وفلق الْبَحْر واختراع طَعَام وَمَاء وقلب الْعَصَا حَيَّة وإحياء ميت قد أرم وَإِخْرَاج نَاقَة من صَخْرَة وَمنع النَّاس من أَن يتكلموا بِكَلَام مَذْكُور أَو من أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ وَمَا أشبه هَذَا من إِحَالَة الصِّفَات الذاتية الَّتِي بوجودها تسْتَحقّ الْأَسْمَاء وَمِنْهَا تقوم الْحُدُود وَهَذَا بِعَيْنِه هُوَ الَّذِي يَدعِيهِ المبطلون للساحر والفاضل
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَإِنَّمَا يلوح الْفرق جدا بَين هذَيْن السَّبِيلَيْنِ لأهل الْعلم بحدود الْأَسْمَاء والمسميات وبطبائع الْعَالم وانقسامه من مبدئه من أَجنَاس إِلَى أَنْوَاعه إِلَى أشخاصه وَمَا هُوَ عَلَيْهِ من أعراضه ذاتي وَمَا هُوَ مِنْهَا غَيْرِي وَمَا يسْرع الاستحالة والزوال من الغيري مِنْهَا وَمَا يبطيء زَوَاله مِنْهَا وَمَا يثبت مِنْهَا ثبات الذاتي وان لم يكن ذاتياً وَالْفرق بَين الْبُرْهَان وَبَين مَا نظن أَنه برهَان وَلَيْسَ برهاناً وَالْحَمْد لله على مَا وهب وأنعم بِهِ علينا لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
حَدثنَا مُحَمَّد بن سعيد بن بياتي ثَنَا أَحْمد بن عبد الْبَصِير قَالَ ثَنَا قَاسم بن اصبغ ثَنَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الْخُشَنِي ثَنَا مُحَمَّد بن المثني ثَنَا عبد الرَّحْمَن ابْن الْمهْدي ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ عَن بشير بن عمر وَقَالَ ذكر الغيلاني عِنْد عمر بن الْخطاب فَقَالُوا أَنهم يتحولون فَقَالَ عمر انه لَيْسَ أحد يتَحَوَّل عَن خلقه الَّذِي خلق لَهُ وَلَكِن لَهُم سحرة كسحرتكم فَإِذا خشيتم شَيْئا من ذَلِك فأذنوا