للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ وَإِذ قد عرا قَوْلهم عَن الدَّلِيل فقد صَحَّ أَنه دَعْوَى كَاذِبَة ثمَّ نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق من الْبُرْهَان على أَن الْمَعْدُوم اسْم لَا يَقع على شَيْء أصلا قَول الله عز وَجل وَقد خلقتك من قبل وَلم تَكُ شَيْئا وَقَوله تَعَالَى هَل أُتِي على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا وَقَوله وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا وَقَالَ عز وَجل إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر فيلزمهم وَلَا بُد إِن كَانَ الْمَعْدُوم شَيْئا أَن يكون مخلوقا بعد وهم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَن الْمَخْلُوق مَوْجُود وَقد وجد وقتا من الدَّهْر فالمعدوم على هَذَا مَوْجُود وَقد كَانَ مَوْجُودا وَهَذَا خلاف قَوْلهم وَهَذَا غَايَة الْبَيَان فِي أَن الْمَعْدُوم لَيْسَ شَيْئا

قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ ونسألهم مَا معنى قَوْلنَا شَيْء فَلَا يَجدونَ بدا من أَن يَقُولُوا أَنه الْمَوْجُود أَو أَن يَقُولُوا هُوَ كل مَا يخبر عَنهُ فَإِن قَالُوا هُوَ الْمَوْجُود صَارُوا إِلَى الْحق وَإِن قَالُوا هُوَ كل مَا يخبر عَنهُ قُلْنَا لَهُم إِن الْمُشْركين يخبرون عَن شريك الله عز وَجل قَالَ تَعَالَى أَيْن شركائي

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا مَعْدُوم لَا مدْخل لَهُ فِي الْحَقِيقَة وَاسم لَا مُسَمّى تَحْتَهُ فَإِن قَالُوا إِن شُرَكَاء الله تَعَالَى أَشْيَاء كَانُوا قد أفحشوا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قد اتّفقت جَمِيع الْأُمَم لَا تحاشى أَن الْمَعْدُوم لَيْسَ شَيْئا أَو لَا شَيْء أَو مَا يعبر بِهِ فِي كل لُغَة عَن شَيْء وَعَن لَا شَيْء إِلَّا أَن الْمَعْنى وَاحِد فَلَو كَانَ الْمَعْدُوم شَيْئا لَكَانَ مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ بِلَا شَيْء وَلَيْسَ شَيْئا وَلم يكن شَيْئا بَاطِلا وَهَذَا رد على جَمِيع أهل الأَرْض مذ كَانُوا إِلَى أَن يفنى الْعَالم فصح أَن الْمَوْجُود هُوَ الشَّيْء فَإذْ هُوَ الشَّيْء فبضرورة الْعقل أَن اللاشيء هُوَ الْمَعْدُوم ثمَّ نسألهم أتقولون أَن الْمَعْدُوم عَظِيم أَو صَغِير أَو حسن أَو قَبِيح أَو طَوِيل أَو قصير أَو ذُو لون فِي حَال عَدمه فَإِن أَبَوا من هَذَا تنَاقض قَوْلهم وسئلوا عَن الْفرق بَين قَوْلهم أَنه شَيْء وَبَين قَوْلهم أَنه حسن أَو قَبِيح أَو صَغِير أَو كَبِير وَكَيف قَالُوا أَنه شَيْء ثمَّ قَالُوا أَنه لَيْسَ حسنا وَلَا قبيحاً وَلَا صَغِيرا وَلَا كَبِيرا فَإِن قَالُوا نعم أوجبوا أَن الْمَعْدُوم يحمل الْأَعْرَاض وَالصِّفَات وَهَذَا تَخْلِيط ناهيك بِهِ وسئلوا فِي مَاذَا يحمل الصِّفَات أَفِي ذَاته أَو فِي مَاذَا فَإِن قَالُوا فِي ذَاته أوجبوا أَن لَهُ ذاتاً وَهَذِه صفة الْمَوْجُود ضَرُورَة وَإِن قَالُوا بل يحمل الصِّفَات فِي غَيره كَانَ ذَلِك أَيْضا عجبا زَائِدا ومحالا لَا خَفَاء بِهِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّد ونسألهم هَل الْإِيمَان مَوْجُود من أبي جهل أَو مَعْدُوم فَإِن قَوْلهم بِلَا شكّ أَنه مَعْدُوم مِنْهُ فنسألهم عَن إِيمَان أبي جهل الْمَعْدُوم حسن هُوَ أم قَبِيح فَإِن قَالُوا لَا حسن وَلَا قَبِيح قُلْنَا لَهُم أَيكُون يعقل إِيمَان لَيْسَ حسنا هَذَا عَظِيم جدا وَإِن قَالُوا بل هُوَ حسن أوجبوا أَنه حَامِل لِلْحسنِ وَكَذَلِكَ نسألهم عَن الْكفْر الْمَعْدُوم من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام أقبيح هُوَ أم لَا فَإِن قَالُوا لَا أوجبوا كفرا لَيْسَ قبيحا وَإِن قَالُوا بل هُوَ قَبِيح أوجبوا أَن الْمَعْدُوم يحمل الصِّفَات ونسألهم عَن ولد الْعَقِيم الْمَعْدُوم مِنْهُ أصغير هُوَ أم كَبِير أم عَاقل أم أَحمَق فَإِن منعُوا من وجود شَيْء من هَذِه الصِّفَات لَهُ كَانَ عجبا أَن يكون ولد ولاصغير وَلَا كَبِير وَلَا حَيّ وَلَا ميت وَإِن وصفوه بِشَيْء من هَذِه الصِّفَات أَتَوا بِالزِّيَادَةِ من الْمحَال ونسألهم عَن الْأَشْيَاء المعدومة ألها عدد أم لَا عدد لَهَا فَإِن قَالُوا لَا عدد لَهَا كَانُوا قد أَتَوا بالمحال إِذْ أقرُّوا بأَشْيَاء لَا عدد لَهَا وَإِن قَالُوا بل لَهَا عدد كَانَ ذَلِك عجبا جدا أَو محالاً لَا خَفَاء بِهِ وسألناهم عَن الْأَوْلَاد المعدومين من العاقر والعقيم كم عَددهمْ ونسألهم عَن الْأَشْيَاء المعدومة أَهِي فِي الْعَالم وَمن الْعَالم أم لَيست فِي الْعَالم وَلَا من الْعَالم فَإِن قَالُوا أَهِي فِي الْعَالم وَمن الْعَالم سألناهم عَن مَكَانهَا فَإِن حددوا لَهَا مَكَانا سخفوا مَا شاؤا وَإِن قَالُوا لَا مَكَان لَهَا قيل لَهُم وَكَيف يكون شَيْء فِي الْعَالم لَا مَكَان لَهُ فِيهِ وَلَا حَامِل

قَالَ أَبُو مُحَمَّد ويلزمهم أَن المعدومات إِذا كَانَت أَشْيَاء لَا عدد لَهَا وَلَا نِهَايَة وَلَا مبدأ فَإِنَّهَا لم تزل وَهَذِه دهرية مُحَققَة وَكفر مُجَرّد أَن تكون أَشْيَاء لَا تحصى كَثْرَة لم تزل مَعَ الله تَعَالَى ونعوذ بِاللَّه من مثل هَذَا الهوس

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقد ادعوا أَن الْمَعْدُوم يعلم وَهَذَا جهل مِنْهُم بحدود الْكَلَام لَا سِيمَا مِمَّن أقرّ بِأَن الْمَعْدُوم

<<  <  ج: ص:  >  >>