فقد أوجبوا أَنَّهَا بَاطِل وَإِذ قَالُوا وَلَا هِيَ بَاطِل فقد أوجبوا أَنَّهَا حق وَهَكَذَا فِي سَائِر مَا قَالُوهُ فَأُعْجِبُوا الْعُقُول وسع هَذَا فِيهَا وسخموا بِهِ ورقهم وَعجب آخر وَهُوَ قَوْلهم إِن هَا هُنَا أحوالا وَلَفْظَة هَا هُنَا مَعْنَاهَا الْإِثْبَات بِلَا شكّ فَهِيَ مَوْجُودَة ثَابِتَة بِلَا شكّ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلم يخلصوا من هَذَا من قَول معمر فِي وجوب وجود أَشْيَاء لَا نِهَايَة لَهَا أَو أَن يصيروا إِلَى قَوْلنَا فِي إبِْطَال هَذِه الَّتِي يسمونها أحوالاً وإعدامها جملَة وَمَا نعلم هوساً إِلَّا وَقد انتظمته هَذِه الْمقَالة ونعوذ بِاللَّه من الخذلان وَمَسْأَلَة أُخْرَى
قَالَت الأشعرية لَيْسَ فِي الْعَالم شَيْء لَهُ بعض أصلا وَلَا شَيْء لَهُ نصف وَلَا ثلث وَلَا ربع وَلَا خمس وَلَا سدس وَلَا سبع وَلَا ثمن وَلَا تسع وَلَا عشر وَلَا جُزْء أصلا وَاحْتَجُّوا فِي هَذَا بِأَن قَالُوا يلْزم من قَالَ أَن الْوَاحِد عشر الْعشْرَة وجزء من الْعشْرَة وَبَعض الْعشْرَة أَن يَقُول وَلَا بُد أَن الْوَاحِد عشر من نَفسه وجزء من نَفسه وَبَعض نَفسه وَأَنه جُزْء لغيره عشر لغيره لِأَن الْعشْرَة تِسْعَة وَوَاحِد فَلَو كَانَ الْوَاحِد عشر الْعشْرَة وبعضاً للعشرة وجزأ للعشرة لَكَانَ عشرا لنَفسِهِ وللتسعة الَّتِي هِيَ غَيره ولكان جزأ بَعْضًا لنَفسِهِ وللتسعة الَّتِي هِيَ غَيره
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا خبط شَدِيد أول ذَلِك أَنه رد على الله تَعَالَى مُجَرّد وَتَكْذيب لِلْقُرْآنِ وَخلاف اللُّغَة بل لجَمِيع اللُّغَات ومكابرة للعقول وللحواس قَالَ تَعَالَى {وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض} وَقَالَ تَعَالَى {يوحي بَعضهم إِلَى بعض زخرف القَوْل غرُورًا} وَقَالَ تَعَالَى {فلأمه الثُّلُث} {فلامه السُّدس} {فلهَا النّصْف} {ولهن الرّبع} {فَلَهُنَّ الثّمن} فقد كذبُوا الْقُرْآن نصا ثمَّ هَذَا مَوْجُود فِي كل طبيعة وَفِي كل لُغَة ومحسوس بالحواس ثمَّ يُقَال لَهُم لَا فرق بَيْنكُم وَبَين من صحّح وَلم يُنكر كَون الشَّيْء بعض نَفسه وَبَعض غَيره وجزأ لنَفسِهِ وجزأ لغيره وَعشر نَفسه وَعشر غَيره وَاحْتج فِي تَصْحِيح ذَلِك بِالْحجَّةِ الَّتِي رمتم بهَا إبِْطَال ذَلِك وَلَا مزِيد وكلاكما متسكع ١ فِي ظلمَة الْخَطَأ ثمَّ نقُول لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق لَيْسَ الْأَمر كَمَا ظننتم بل الْأَسْمَاء مَوْضُوعَة للتفاهم ولتمييز بعض المسميات من بعض فالعشرة اسْم للعشرة أَفْرَاد مجتمعات فِي الْعدَد كَذَلِك لتسعة وَوَاحِد ولثمانية واثنين ولسبعة وَثَلَاثَة ولستة وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة وَخَمْسَة قَالَ تَعَالَى {ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} وَهَكَذَا جَمِيع الْأَعْدَاد لَا يُنكر ذَلِك إِلَّا مخذول مُنكر للمشاهدة فبالضرورة نَدْرِي أَن كل جُزْء من تِلْكَ الْجُمْلَة فَهُوَ بعض لَهَا وَعشر لَهَا وَقسم مِنْهَا لنسبة مَا وَلَا يُقَال هُوَ جُزْء لنَفسِهِ وَلَا جُزْء لغيره وَلَا أَنه بعض لنَفسِهِ وَلَا أَنه بعض لغيره وَلَا عشر لنَفسِهِ وَلَا عشر لغيره وَمثل هَذَا البلق الَّذِي هُوَ اسْم لِاجْتِمَاع السوَاد وَالْبَيَاض مَعًا فالبياض البلق والسواد بعد البلق وَلَيْسَ الْبيَاض جزأ لنَفسِهِ وللسواد وَلَا بَعْضًا لنَفسِهِ وللسواد وكل وَاحِد مِنْهُمَا جُزْء للباق وَكَذَلِكَ الْإِنْسَان اسْم للجملة المجتمعة من أَعْضَائِهِ وَلَا شكّ فِي أَن الْعين بعض الْإِنْسَان وجزء من الْإِنْسَان وَلَا يحْتَمل أَن يُقَال الْعين بعض نَفسهَا وَبَعض الْأذن وَالْيَد وَلَا أَن يُقَال الْأذن جُزْء لنَفسهَا وللعين وَالْأنف وَهَكَذَا فِي سَائِر الْأَعْضَاء فعلى قَول هَؤُلَاءِ النوكى ٢ يلْزمهُم أَن لَا تكون الْعين بعض الْإِنْسَان وَأَن يَقُولُوا أَن الْعين بعض نَفسهَا وَبَعض الْأذن وَمن أبطل الأبعاض والأجزاء فقد أبطل الْجمل لِأَن الْجمل لَيست شَيْئا الْبَتَّةَ غير أبعاضها وَمن أبطل الْجمل فقد أبطل الْكل والجزء وأبطل الْعَالم بِكُل مَا فِيهِ وَإِذا بَطل الْعَالم بَطل الدّين وَالْعقل وَهَذِه حَقِيقَة السفسطة وَمَا نعلم فِي الْأَقْوَال أَحمَق من هَذِه المسالة وَمن الَّتِي قبلهَا نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute