للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هُوَ اسْتِوَاء أَجزَاء السَّطْح والخشونة هِيَ تبَاين أَجزَاء السَّطْح وَقد نجد أملس لماعاً وأملس كدراً فَإذْ ذَلِك كَذَلِك فالبصيص واللمعان شَيْء آخر غير اسْتِوَاء أَجزَاء السَّطْح وَإِذ هُوَ كَذَلِك وَهُوَ مرئي فالبصيص بِلَا شكّ لون آخر مَحْمُول فِي اللَّوْن بالحمرة أَو الصُّفْرَة أَو سَائِر الألوان وَفِيمَا عري من جَمِيع الألوان سَوَاء فَإِذا قُلْنَا أسود لماع فَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنه لَيْسَ فِيهِ من الألوان إِلَّا اللمعان فَقَط فَهُوَ لون صَحِيح وَقد عرى من الْحمرَة وَمن الصُّفْرَة وَمن الْبيَاض والخضرة والزرقة وَمِمَّا تولد من امتزاج هَذِه الألوان وَلَعَلَّ الكدرة أَيْضا لون آخر مرئي كاللمعان وَهِي أَيْضا غير سَائِر الألوان فَهَذَا مَا لَا يُوجد مَا يمْنَع مِنْهُ بل الدَّلِيل يثبت أَن الكدرة أَيْضا لون وَهُوَ وُقُوع الْبَصَر عَلَيْهَا وَهُوَ لَا يَقع إِلَّا على لون وَمن أَبى من هَذَا كلفناه أَن يحد لنا اللمعان والكدرة فَإِنَّهُ لَا يقدر على شَيْء أصلا غير مَا قُلْنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَإِن قَالَ قَائِل فَإنَّا نرى الثَّوْب الْأسود يستبين نسج خيوطه ونتوء مَا نتأ مِنْهَا وانخفاض مَا انخفض فلولا أَنه يرى مَا علم ذَلِك كُله فَالْجَوَاب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أَنا قد علمنَا أَن خطوط الْبَصَر تخرج من النَّاظر وَلها مساحة مَا وَبَعضهَا أطول من بعض بِلَا شكّ لِأَن الخطوط الْخَارِجَة من الْبَصَر إِلَى السَّمَاء أطول من الخطوط الْخَارِجَة من الْبَصَر إِلَى الجليس لَك بِلَا شكّ فَلَمَّا خرجت خطوط الْبَصَر إِلَى الثَّوْب الْمَذْكُور انْقَطع تمادي بَعْضهَا أَكثر من تمادي الْبَعْض فبالحس علمنَا هَذَا لَا لِأَن بصرنا وَقع على لون أصلا وَأَيْضًا فَإِن النُّور هُوَ اللَّوْن الَّذِي طبعه بسط قُوَّة النَّاظر واستخراج قوى الْبَصَر حَتَّى أَنه إِذا وَافق نَاظرا ضَعِيف البنية بطبعه أَو بِعرْض اجتلب جَمِيعه واستلبه كُله أَو اقتطفه فعلى قدر قُوَّة النُّور فِي اللَّوْن المرئي وَضَعفه فِيهِ يكون وُقُوع الْبَصَر عَلَيْهِ هَذَا أَمر مشَاهد بالعيان فَكلما قل النُّور فِي اللَّوْن كَانَ وُقُوع الْبَصَر عَلَيْهِ أَضْعَف وَكَانَت الرُّؤْيَة لَهُ أقل حَتَّى إِذا عدم النُّور جملَة وَلم يبْق مِنْهُ شَيْء فقد بَطل بِالضَّرُورَةِ أَن يَمْتَد خطوط الْبَصَر إِلَيْهِ وَأَن يَقع النَّاظر عَلَيْهِ إِذْ لَا نور فِيهِ وَلَا يخْتَلف ذُو حس فِي الْعَالم فِي أَن السوَاد الْمَحْض الْخَالِص لَيْسَ فِيهِ شَيْء من النُّور فَإذْ لَا شكّ فِي هَذَا فَلَا شكّ فِي أَنه يرى وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَأَيْضًا فَإِن جبلا ذَا لون مَا وأرضاً ذَات لون مَا وفيهَا غاران مظلمان لَا شكّ أَن كل نَاظر إِلَيْهِمَا فَإِنَّهُ لَا يرى إِلَّا مَا حول الغارين وَأَنه لَا يرى مَا ضمه خطّ الغارين فَإذْ هَذِه كلهَا براهين ضَرُورِيَّة مُشَاهدَة حسية عقلية فالبرهان لَا يُعَارضهُ برهَان أصلا والبرهان لَا يُعَارض بِالدَّعْوَى وَلَا بالظنون وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَأما من كَلَام الله تَعَالَى فَالله يَقُول {ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا} وَقَوله تَعَالَى {يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم كلما أَضَاء لَهُم مَشوا فِيهِ وَإِذا أظلم عَلَيْهِم قَامُوا} فصح يَقِينا أَن الظلمَة مَانِعَة من النّظر والرؤية جملَة وَهُوَ السوَاد بِلَا شكّ فَهُوَ لَا يرى وَلَا خلاف فِي أَن الْبَصَر الْقَلِيل يداوى بِالثَّوْبِ الْأسود وَالْقعُود فِي الظلمَة وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا لمَنعه من امتداد خطّ بَصَره فيكل بامتداده وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَإِن قيل السوَاد غير الظلمَة قُلْنَا إِنَّا نجد الأرمد الشَّديد الرمد مَتى صَار فِي بَيت مظلم شَدِيد الانطباق لَا يدْخلهُ شَيْء من الضَّوْء أمكنه فتح عَيْنَيْهِ بِحَسب طاقته وَلم يألم بِالنّظرِ إِلَيْهِ وَمَتى جَعَلْنَاهُ فِي بَيت مضيء وعَلى وَجهه وَعَيْنَيْهِ ثوب كثيف جدا أسود أمكنه فتح عَيْنَيْهِ حسب طاقته وَلم يألم بِالنّظرِ إِلَيْهِ وَكَانَت حَاله فِي تَغْطِيَة وَجهه بذلك الثَّوْب كحاله فِي الظلمَة التَّامَّة سَوَاء سَوَاء وَكَذَلِكَ يعرض للصحيح الْبَصَر فِي الْحَالَتَيْنِ المذكورتين وَلَا فرق وَمَتى جعلنَا على بصر الأرمد ثوبا أَبيض ألم ألما شَدِيدا كألمه إِذا نظر فِي الضَّوْء وَلَا فرق فَإِن جعلنَا على وَجهه ثوبا أصفر ألم دون ذَلِك وَإِن كَانَ أَحْمَر ألم دون ذَلِك فَإِن كَانَ أخضرا ألم دون ذَلِك على قدرهما فِي اللَّوْن من ممازجة الْبيَاض لَهُ فصح أَن السوَاد والظلام شَيْء وَاحِد وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا بِالسَّوَادِ غير الظلمَة وَهُوَ لَا يرى إِلَّا أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>