للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْبَغي والحسد وَالْكذب والجبن وَالْبخل والنميمة والغش والخيانة وَسَائِر الرذائل إِلَّا بشرائع زاجرة للنَّاس عَن كل ذَلِك فَلَا بُد من نعم ضَرُورَة وَإِلَّا وَجب الإهمال الَّذِي فِيهِ فَسَاد كل مَا ذَكرْنَاهُ فَإِذا لَا بُد من ذَلِك وَإِلَّا ذَلِك لفسد الْعَالم كُله ولفسدت الْعُلُوم كلهَا ولكان الْإِنْسَان قد بطلت فَضِيلَة الْفَهم والنطق وَالْعقل الَّذِي فِيهِ وَصَارَ كَالْبَهَائِمِ فَلَا تَخْلُو تِلْكَ الشَّرَائِع من أحد وَجْهَيْن إِمَّا أَن تكون صحاحاً من عِنْد الله عز وَجل الَّذِي هُوَ خَالق الْعَالم ومدبره كَمَا يقوا أَصْحَاب الشَّرَائِع وَإِمَّا أَن تكون مَوْضُوعَة بِاتِّفَاق من أفاضل الْحُكَمَاء لسياسة النَّاس بهَا وكفهم عَن التظالم والرذائل وَإِن كَانَت مَوْضُوعَة كَمَا يَقُول هَؤُلَاءِ المخاذيل فقد تَيَقنا أَن مَا ألزموا النَّاس من ذَلِك كذب لَا أصل لَهُ وزور مختلق وَإِيجَاب لما لَا يجب وباطل لَا حَقِيقَة لَهُ ووعيد ووعد كِلَاهُمَا كذب فَإِن كَانَ ذَلِك كَذَلِك فقد صَار الْكَذِب الَّذِي هُوَ أرذل الرذائل وَأعظم الشَّرّ لَا يتم صَلَاح الْعَالم الَّذِي هُوَ الْغَرَض من طلب الْفَضَائِل إِلَّا بِهِ وَإِذ ذَلِك كَذَلِك فقد صَار الْحق بَاطِلا والصدق رذيلة وَصَارَ الْبَاطِل حَقًا وصدقاً وَالْكذب فَضِيلَة وَصَارَ لَا قوام للْعَالم أصلا إِلَّا بِالْبَاطِلِ وَصَارَ الْكَذِب نتيجة الْحق وَصَارَ الْبَاطِل ثَمَرَة الصدْق وَصَارَ الْغرُور والغش والخديعة فَضَائِل ونصيحة وَهَذَا أعظم مَا يكون من الْمحَال والممتنع والخلق الَّذِي لَا مدْخل لَهُ فِي الْعقل فَإِن قَالُوا إِنَّه لَو كشف السِّرّ فِي ذَلِك إِلَى الْعَامَّة لم ترغب فِي الْفَضَائِل فَوَجَبَ لذَلِك أَن يُؤْتِي بِمَا ترهبه وتتقيه فاضطر فِي ذَلِك إِلَى الْكَذِب لَهُم كَمَا يفعل بالصبيان وكما أبحتم أَنْتُم فِي شرائعكم كذب الرجل لامْرَأَته ليستصلحها بذلك وَفِي دفاع الظَّالِم على سَبِيل التقية وَفِي الْحَرْب كَذَلِك فيلزمكم فِي هَذَا مَا ألزمتموه إيانا من أَن الْكَذِب صَار حَقًا وفضيلة

قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ فَيُقَال لَهُم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أما نَحن فقولنا أَنه لَيْسَ كَمَا ذكرْتُمْ قبيحاً إِذْ أَبَاحَهُ الله عز وَجل الَّذِي لَا حسن إِلَّا مَا حسن وَمَا أَمر بِهِ وَلَا قَبِيح إِلَّا مَا قبح وَمَا نهي عَنهُ وَلَا آمُر فَوْقه فَلَا يلْزمنَا مَا أردتم إلزامنا إِيَّاه ثمَّ أَيْضا على أصولكم فَإِنَّهُ لَيْسَ مَا ذكرْتُمْ مُعَارضَة وَلَا مَا شبهتم بِهِ مشبهاً لما شبهتموه بِهِ لأننا إِنَّمَا أبحنا الْكَذِب فِي الْوُجُوه الَّتِي ذكرْتُمْ للضَّرُورَة الدافعة إِلَى ذَلِك النَّص الْوَارِد علينا بذلك كَمَا جَازَ بِالنَّصِّ عِنْد الضَّرُورَة دفع الْقَتْل عَن النَّفس بقتل المريد لقتلها وَلَو أمكننا كف الصَّبِي وَالْمَرْأَة بِغَيْر ذَلِك لما جَازَ الْكَذِب أصلا فَإِذا ارْتَفَعت الضَّرُورَة وَجب الرُّجُوع إِلَى اسْتِعْمَال الصدْق على كل حَال وَلَوْلَا النَّص لم نبح شَيْئا من ذَلِك وَلَا حرمناه وَأَنْتُم فِيمَا تَدعُونَهُ من مداراة النَّاس كلهم مبتدئون لاختيار الْكَذِب دون أَن يَأْمُركُمْ بِهِ من يسْقط عَنْكُم اللوم بِطَاعَتِهِ فَأنْتم لَا عذرلكم على خلاف حكمنَا فِي ذَلِك ثمَّ إِنَّكُم لَا تخلون من أحد وَجْهَيْن لَا ثَالِث لَهما إِمَّا أَن تطووا هَذَا السِّرّ عَن كل أحد فتصيرون إِلَى مَا ألزمناكم من أَن قطع الصدْق جملَة فَضِيلَة وَأَن الْكَذِب على الْجُمْلَة حق وَاجِب وَهَذَا هُوَ الَّذِي ألزمناكم ضَرُورَة وَإِمَّا أَن تبوحوا بذلك لمن وثقتم بِهِ فَهَذَا إِن قُلْتُمْ بِهِ يُوجب ضَرُورَة كشف سركم فِي ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يجوز الْبَتَّةَ أَن ينكتم أصلا على كَثْرَة العارفين بِهِ هَذَا أَمر يعلم بالضضرورة أَن الشَّيْء إِذا كثر العارفون بِهِ فبالضرورة لَا بُد من انتشاره فَإِن كُنْتُم تَقولُونَ أَن طيه وَاجِب الاعمن يوثق بِهِ وَفِي كشفه إِلَى من يوثق بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>