تَعَالَى نتأيد وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن من أمة إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير} وَقَالَ تَعَالَى فِي الرُّسُل {مِنْهُم من قَصَصنَا عَلَيْك وَمِنْهُم من لم نَقْصُصْ عَلَيْك} فَنحْن نؤمن بالأنبياء جملَة وَلَا نسمي مِنْهُم إِلَّا من يُسَمِّي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَط
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ وَيُقَال لسَائِر فرق الْيَهُود حاشا السامرية مَا الْفرق بَيْنكُم وَبَين السامرية الَّذين كذبُوا بنبوة كل نَبِي صَدقْتُمْ أَنْتُم بِهِ بعد يُوشَع بِمثل مَا كَذبْتُمْ أَنْتُم بِهِ عِيسَى ومحمداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا مَا لَا إنفكاك مِنْهُ بِوَجْه من الْوُجُوه فَإِن ادعوا أَن عِيسَى ومحمداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يأتيا بالمعجزات بِأَن كذبهمْ ومجاهرتهم إِذْ قد نقلت الكواف عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سقى الْعَسْكَر فِي تَبُوك وهم أُلُوف كَثِيرَة من قدح صَغِير نبع فِيهِ المَاء من بَين أَصَابِعه عَلَيْهِ السَّلَام وَفعل أَيْضا مثل ذَلِك بِالْحُدَيْبِية وَأَنه أطْعم عَلَيْهِ السَّلَام فِي منزل أبي طَلْحَة أهل الخَنْدَق حَتَّى شَبِعُوا وَفِي منزل جَابر أَيْضا وَرمى هوَازن فِي جَيش فعميت عُيُون جَمِيعهم بِتُرَاب يَده وفيهَا أنزل الله تَعَالَى {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} وشق الْقَمَر إِذْ سَأَلَهُ قومه آيَة فَأنْزل الله تَعَالَى فِي ذَلِك {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر وَإِن يرَوا آيَة يعرضُوا ويقولوا سحر مُسْتَمر وكذبوا وَاتبعُوا أهواءهم وكل أَمر مُسْتَقر وَلَقَد جَاءَهُم من الأنباء مَا فِيهِ مزدجر}
وَكَذَلِكَ حنين الْجذع الَّذِي سَمعه كل من حَضَره من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَمن أبهر ذَلِك وأعظمه قَوْله للْيَهُود الَّذين كَانُوا مَعَه فِي وقته وهم زِيَادَة على ألف بِلَا شكّ ولعلهم كَانُوا ألوفاً وهم بَنو قُرَيْظَة وبنوا النصير وبنوا أهدل وَبَنُو قينقاع أَن يتمنوا الْمَوْت إِن كَانُوا صَادِقين فِي تكذيبهم نبوته وأعلمهم أَنهم لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِك أصلا فعجزوا عَن ذَلِك أَي عَن تمني الْمَوْت وحيل بَينهم وَبَين النُّطْق بذلك وَهَذِه قصَّة منصوصة فِي سُورَة الْجُمُعَة يقْرَأ بهَا كل يَوْم جُمُعَة فِي جَمِيع جَوَامِع الْمُسلمين من شَرق الدُّنْيَا إِلَى غربها وَقد كَانَ أسهل الْأُمُور عَلَيْهِم أَن يكذبوا بِأَن يتمنوا الْمَوْت لَو اسْتَطَاعُوا وهم يسمعونه يَقُول فتمنوا الْمَوْت إِن كُنْتُم صَادِقين وَلَا يتمنونه أبدا بِمَا قدمت أَيْديهم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا أَمر لَا يَدْفَعهُ الأوقاح جَاهِل مكابر للعيان لِأَن الْقُرُون والاعصار نقلت هَذِه الْآيَات جيلاً جيلاً يخاطبون بهَا فَكل أذعن وَأقر وَلم يُمكن أحدا دَفعه ودعا عَلَيْهِ السَّلَام من حِين مبعثه الْعَرَب كلهم على فصاحة ألسنتهم وَكَثْرَة استعمالهم لأنواع البلاغة من الإطالة والإيجاز وَالتَّصَرُّف فِي أفانين البلاغة والألفاظ المركبة على وُجُوه الْمعَانِي إِلَى أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن ثمَّ ردهم إِلَى سُورَة فعجزوا كلهم عَن ذَلِك على سَعَة بِلَادهمْ طولا وعرضاً وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقَامَ بَين أظهرهم ثَلَاثَة وَعشْرين عَاما يستسهلون قِتَاله والتعرض لسفك دِمَائِهِمْ واسترقاق ذَرَارِيهمْ وَقد أضربوا عَمَّا دعاهم إِلَيْهِ من الْمُعَارضَة لِلْقُرْآنِ جملَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا لَا يخفى على من لَهُ أقل فهم أَنه إِنَّمَا حملهمْ على ذَلِك الْعَجز عَمَّا كلفهم من ذَلِك وارتفاع الْقُوَّة عَنْهُم وَأَنه قد حيل بَينهم وَبَين ذَلِك ثمَّ عَم الدُّنْيَا من البلغاء الَّذين يتخللون بألسنتهم تخَلّل النَّاقِد ويطيلون فِي الْمَعْنى التافة إِظْهَارًا لإقتدراهم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute