السَّلَام كَانَت إِحْدَى وَسبعين سنة فَقَط وَلَا بُد فالباقي مائَة سنة وست وَأَرْبَعُونَ سنة يسْقط مِنْهَا وَلَا بُد بِنَصّ توراتهم مُدَّة بَقَاء من بَقِي من إخْوَة يُوسُف بعده وَلم نجد من ذَلِك إِلَّا عمر لاوي فَقَط فَإِنَّهُ على نَص التَّوْرَاة كَانَ يزِيد على يُوسُف ثَلَاثَة أَعْوَام أَو أَرْبَعَة فَعَاشَ بعد يُوسُف ثَلَاثَة وَعشْرين عَاما فَقَط وَلَا بُد من هَذَا الْعدَد فالباقي مائَة سنة وَثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة هَذِه مُدَّة عَذَابهمْ واستخدامهم واستعبادهم على أبعد الْأَعْدَاد وَقد تكون أقل فَأَيْنَ الأربعمائة سنة وَلَعَلَّ وقاح الْوَجْه يَقُول مَا أعد ذَلِك إِلَّا من دُخُول يُوسُف مصر مستعبداً مستخدماً معذباً ثمَّ مسجوناً فَاعْلَم أَنه لَا يزِيد على المائتي عَام وَسَبْعَة عشر عَاما الَّتِي ذكرنَا قبل إِلَّا اثْنَيْنِ وَعشْرين عَاما فَقَط فَذَلِك مِائَتَا عَام وَتِسْعَة وَثَلَاثُونَ عَاما فَأَيْنَ الأربعمائة سنة فَظهر الْكَذِب المفضوح الَّذِي لَا يدْرِي كَيفَ خَفِي عَلَيْهِم جيلاً بعد جيل وَرَأَيْت لنذل مِنْهُم مقلة ظريفة وَهِي انه ذكر هَذِه الْقِصَّة وَقَالَ إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تعد هَذِه الأربعمائة سنة من حِين خَاطب الله عز وَجل إِبْرَاهِيم بِهَذَا الْكَلَام
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ وَأَرَادَ هَذَا السَّاقِط الْخُرُوج من مزبلة فَوَقع فِي كنيف عذرة لِأَنَّهُ جاهر بِالْبَاطِلِ وتعجل الفضيحة وَنسبَة الْكَذِب إِلَى الله تَعَالَى إِذْ نَص مَا حكوه عَن الله تَعَالَى أَنه قَالَ لإِبْرَاهِيم أَن نسلك يستعبد أَرْبَعمِائَة سنة وَلم يقل لَهُ قطّ من الْآن إِلَى انْقِضَاء استخدامهم أَرْبَعمِائَة سنة وَأَيْضًا فَإِن نَص توراتهم أَن الله تَعَالَى إِنَّمَا قَالَ هَذَا الْكَلَام لإِبْرَاهِيم قبل ولادَة إِسْمَاعِيل هَذَا أَيْضا فَكَانَ إِبْرَاهِيم حِينَئِذٍ ابْن أقل من سِتَّة وَثَمَانِينَ عَاما ثمَّ عَاشَ بعد ذَلِك أَرْبَعَة عشر عَاما وَولد لَهُ إِسْحَاق وعاش إِسْحَاق مئة وَثَمَانِينَ سنة وَمَات إِسْحَاق وليعقوب مائَة وَعِشْرُونَ سنة وَدخل يَعْقُوب مصر وَله مائَة وَثَلَاثُونَ سنة كل هَذَا نُصُوص توراتهم بِلَا اخْتِلَاف مِنْهُم ممات إِسْحَاق قبل دُخُول يَعْقُوب مصر بِعشْرَة أَعْوَام فَمن حِين ادعوا أَن الله تَعَالَى قَالَ هَذَا الْكَلَام لإِبْرَاهِيم إِلَى دُخُول يَعْقُوب مصر مِائَتَا عَام وَأَرْبَعَة أَعْوَام وَمن دُخُول يَعْقُوب مصر إِلَى خُرُوج مُوسَى عَنْهَا كَمَا ذكرنَا مائَة عَام وَسَبْعَة عشر عَاما فحصلنا على أَرْبَعمِائَة عَام وَأَرْبَعَة وَعشْرين عَاما فَلَا منجا من الْكَذِب إِمَّا بِزِيَادَة أَو نُقْصَان وحاش لله أَن يكذب فِي حِسَاب بدقيقة فَكيف بأعوام وَالله خَالق الْحساب ومعلمه عباده ومعاذ الله أَن يكذب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَو يخطىء فِيمَا أوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ فوضح يَقِينا لكل من لَهُ أدنى فهم يَقِينا كَمَا أَن أمس قبل الْيَوْم أَنَّهَا لَيست من عِنْد الله تَعَالَى وَلَا من أَخْبَار نَبِي وَلَا من تأليف عَالم يَتَّقِي الْكَذِب وَلَا من عمل من يحسن الْحساب وَلَا يخطيء فبمَا لَا يخطىء فِيهِ صبي يحسن الْجمع والطرح وَالْقِسْمَة وَالتَّسْمِيَة وَلكنهَا بِلَا شكّ من عمل كَافِر مستخف ماجن سخر بهم وتطايب مِنْهُم وَكتب لَهُم مَا سخم الله بِهِ وجوهم عَاجلا فِي الدُّنْيَا بالفضيحة وآجلاً فِي الْآخِرَة بالنَّار وَالْخُلُود فِيهَا أَو من عمل تَيْس أرعن تكلّف إملاء مَا لم يقم بحفظه جَاهِل مَعَ ذَلِك مظلم الْجَهْل بالهيئة وَصفَة الأَرْض وبالحساب وَبِاللَّهِ تَعَالَى وبرسله صلى الله عَلَيْهِم وَسلم فأملى مَا خرج إِلَى فهمه من خَبِيث وَطيب وَلَقَد كَانَ فِي هَذَا الْفَصْل كِفَايَة لمن نصح نَفسه لَو لم يكن غَيره فَكيف وَمَعَهُ عجائب جمة وَنَحْمَد الله تَعَالَى على نعْمَة الْإِسْلَام كثيرا