(فتسكرُ من عينٍ وكأسٍ ووجنةٍ ... تحييك أعتاب الكؤوس بوردها)
وقالوا أجود ما قيل في الثغر من شعر المتقدمين قول جرير:
(تجري السواك على أغرَ كأنهُ ... بردٌ تحدَّرَ من مُتونِ غمامِ)
وقالوا بيت النابغة
(تجلو بقادمتى حمامةِ أيكةٍ ... برداً أسفُ لثاتهُ بالأثمد)
(كالأقوحان غداة غبَ سمائهِ ... جفتْ أعاليه وأسفلهُ ندي)
شبه الشفتين لرقتهما بقادمتي حمامة. وقالوا بيت بشر بن أبي خازم:
(يفلجنَ الشفاه عن اقحوان ... جلاهُ غب سارية قطار)
ومن أحسن ما جاء في ذلك قول البحتري:
(ولما التقينا والتقى موعدٌ لنا ... تبينَ رامي الدرُ منا ولاقطه)
(فمن بردٍ تجلوهُ عند ابتسامها ... ومن لؤلؤ عندَ الحديثِ تساقطهُ)
وهذا أحسن من قول الأول ومنه أخذ البحتري:
(إذا هنَ ساقطنَ الأحاديث بالضحى ... سقاط حصى المرجان من كفَ ناظم)
ومن أحسن ما قيل في بياض الثغر قول البحتري أيضاً:
(ويرجعُ الليلُ مبيضاً إذا ضحكتْ ... عن أبيضٍ خضلِ السمطين وضاحِ)
فجعله يجلو الظلام لبياضه، وذكر كثرة الريق فقال خضل لأن قلة الريف تورث تغير الفم، وذكر حسن تنضيد الثغر فجعله سمطين. فلا يرى في هذا المعنى أجمع من هذا البيت. وقد أحسن ابن طباطبا:
(ثغرهُ عندَ سرده ... كالعناب المزردِ)
(مثل دُرٍ منظمٍ ... بين درٍ منضد)
وقد أحسن البحتري وابلغ في قوله: