(نهتهُ رقبةُ الواشينَ حتى ... تعلق لا يغيضُ ولا يسيلُ)
قوله (يحسن دلها والموت فيه) أحسن ما قيل في الدلال. ومن أعجب ما قيل في الدمع بعضهم ونسب إلى السري ولا أظنه له:
(بنفسي من رَدَّ التحيةَ ضاحكاً ... فجدَّدَ بعدَ اليأس في الوصلِ مطمعي)
(إذا ما بدا أبدى الغرامُ سرائري ... وأظهرَ للعذَّال ما بينَ أضلعي)
(وحالتْ دُمُوعُ اليعنِ بيني وبينهُ ... كأنَّ دموعَ العينِ تعشقهُ معي)
وهذا معنى ظريف حسن جداً. ومن حسن الاستعارة في صفة الدمع ما أنشدناه أبو أحمد عن الصولي:
(قد كانَ في طول البكا لي راحةٌ ... وعنانُ سرِّي في يدِ الكتمانِ)
(حتى إذا الأعلانُ نبهَ واشياً ... رقأتْ دموعي خشيةَ الإعلانِ)
ومن البديع في ذلك قول بشار وهو مشهور:
(ماءُ الصبابةِ نارُ الشوقِ تحذره ... فهلْ سمعتمِ بماءٍ فاض من نارِ)
وقلت:
(أشكو الهوى بدُموع قادها قلق ... حتى علقنَ بجفن رَدَّها الغرقُ)
(ففي فؤادي سبلٌ للأسى جددٌ ... وفي الجفونِ مقيلٌ للكرى قلق)
(لهيبُ قلبي أفاضَ الدمعَ من بصري ... والعودُ يقطر ماءً حينَ يحترقُ)
ولا أظنني سبقت إلى هذا التمثيل. وقال ابن المعتز:
(ولطمةُ خدٍ تجعلُ الوردَ خُرَّما ... وتنثرُ دمعاً لا يباعُ بأثمانِ)
ونظير المصراع الأول قول صاحب مصر:
(والله لولا أنْ يقالَ تغيرا ... وصبا وإنْ كانَ التصابي أجدرا)
(لأعادَ تفاحَ الخدود بنفسجاً ... لثمي وكافورَ الترائبِ عنبرا)
وأخبرنا أبو أحمد عن الصولي قال أنشد الحسن بن رجاء عن المبرد يوماً بيت ذي الرمة:
(لعلَ إنحدارَ الدَّمع يعقبُ راحةً ... من الوجد أو يشفي نجيَّ البلابل)
وقال له من قال في مثله؟ فقال قد ملح الحسن بن وهب في قوله: