(وقالوا أفِقْ من سكرةِ اللهو والصِّبا ... فقد لاحَ صبحٌ في دُجاكَ عجيبُ)
(فقلت لهم كفُّوا الملامَ وأقصروا ... فإنَّ الكرّى عندَ الصباحِ يطيبُ)
وهذا معنى مليح أظنه ما سبق إليه. وأول من تهاون بالشيب جرير في قوله:
(يقولُ العاذلاتُ علاكَ شيبٌ ... أهذا الشيبُ يمنعني مراحي)
وتبعه الناس فمن أحسنهم قولاً فيه ابن الرومي حيث يقول:
(لاحَ شيبي فرحتُ أمرحُ فيهِ ... مَرَحَ الطرفِ في العذارِ المحلى)
(وتولى الشبابُ فازددت غياً ... في ميادينِ باطلي إذ تولّى)
(إنَ من ساءهُ الزمانُ بشئٍ ... لأحقُ امرئٍ بأن يتسلى)
وهذا من قول أحمد بن زياد الكاتب:
(ولما رأيتُ الشيبَ حلَ بياضُه ... بمفرقِ رأسي قلتُ للشيب مرحبا)
(ولو خلتُ أني إن كففتُ تحيتي ... تنكبَ عني رمتُ أن يتنكَّبا)
(ولكنْ إذا ما الكرهُ حلَ تسامحتْ ... بهِ النفس يوماً كان للكرهِ أذهبا)
وفي ألفاظ هذه الأبيات زيادة على معناها، وأبيات ابن الرومي متوازنة اللفظ والمعنى مع إصابة تشبيهه في وقوله:
(مرح الطرفِ في العذار المحلى ... )
وقد بالغ في ذم الشيب أبو تمام فقال:
(دقةٌ في الحياةِ تدْعى جمالاً ... مثل ما سمِّيَ اللديغ سليما)
(غرةٌ مرةٌ إلا إنما كنت ... أغرّاً أيامَ كنت بهيما)
وقال ابن المعتز:
(لقد أبغضتُ نفسي في مشيبي ... فكيفَ تحبّني الخودُ الكعابُ)
وقلت:
(فلا تعجبا أن يعبنَ المشيبَ ... فما عبنَ مِنْ ذاك إلا معيبا)
(إذا كانَ شيبي بغيضاً إليَّ ... فكيفَ يكون إليها حبيبا)
(وقد كنتُ أرفُل بردَ الشبابِ ... قشيباً وأرفُلُ وشْياً قشيبا)