وعزي رجل رجلاً وقد ولدت امرأته ابناً وماتت في نفاسها فقال أعظم الله أجرك فيما أبادو أجزل حظك فيما أفاد. ولا أعرف أحداً أجاد هذا المعنى كما أجاده عبد الملك بن صالح الكاتب: أخبرنا أبو أحمد عن الصولي قال قيل للرشيد إن عبد الملك بن صالح يعد كلامه ويفكر فيه فلذلك بانت بلاغته فأنكر ذلك الرشيد وقال هو طبعٌ فيه ثم أمسك حتى جاء يوماً ودخل عبدُ الملك فقال للفضل بن الربيع إذا قرب من سريري فقل له ولد لأمير المؤمنين في هذه الليلة ابنُ ومات له ابنٌ فقال له الفضل ذلك فدنا عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين سرك الله فيما ساءك ولا ساءك فيما سرك وجعلها واحدة بواحدةٍ ثواب الشاكرين وأجر الصابرين. فلما خرج قال الرشيد أهذا الذي زعموا أنه يتصنع للكلام ما رأى الناس أطبع من عبد الملك في الفصاحة قط. وعزي أعرابي رجلاً قفال لا أراك الله بعد مصيبتك ما ينسيكها. أحسن ما قيل في مدفون قول ابن الرومي في بستان جارية أم علي بنت الراس:
(لله ما ضمنتْ حفيرتُها ... من حُسنِ مرأىً وطُهر مُختبرِ)
(أضحتْ من الساكني حفائرِهمْ ... سُكنى الغوالي مداهنَ السررِ)
(لو علمَ القبرُ من أتيحَ لهُ ... لانخفضَ القبرُ غير محتفرِ)
وهذا البيت مأخوذ من قول الأول:
(لو علمَ القبرُ من يواري ... تاهَ على كلِّ مَنْ يليه)
وقالوا أحسن مرثيه للعرب ابتداءً قول أوس بن حجر:
(أيتها النفسُ أجملي جَزَعاً ... إن الذي تحذرينَ قد وقعا)
وأحسن مرثية لمحدث ابتداءً قول أبي تمام الطائي:
(أصمَّ بك الداعي وإن كانَ اسمعا ... وأصبحَ مغنى الجودِ بعدك بلقعا)
فقال فيها:
(فتىً كان شرباً للعفاةِ ومرتعى ... فأصبح للهنديةِ البيضِ مرتعا)