للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي هذه القصيدة:

(أيا قبرَ معنٍ كنت أولَ حفرةٍ ... من الأرض خطتْ للسماحة مضجعا)

(ويا قبرَ معن كيفَ واريتَ شخصه ... ولو كان حياً ضقتَ حتى تصدعا)

(فلما مضى معنٌ مضى الجودُ والندى ... وأصبحَ عرنينُ المكارم أجدعا)

وأنا أقول إن هذه الأبيات أرثى ما قيل في الجاهلية والاسلام. وقالوا أرثى بيت قيل قول مهلهل في كليب:

(نبئتُ أنَّ النارَ بعدك أوقدتْ ... واستبَّ بعدك يا كليبُ المجلسُ)

(وتكلموا في أمر كلَ عظيمة ... لو كنتَ شاهدهم إذاً لم ينبسوا)

وكان كليب إذا أوقد ناراً لم يوقد أحدٌ ناراً ولم ينزل ضيفٌ إلا عليه وإذا جلس مجلساً لم يتكلم فيه أحد إلا هو. وقالوا أحسن ما قيل في المراثي قول متمم بن نويرة في أخيه مالك: ( ... وكن كندْمانَي جذيمةَ حقبةً ... من الدهرِ حتى قيلَ لن نتصدعا)

(فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطولِ اجتماعٍ لم نبتْ ليلةً معا)

وليس في المحدثين أحسن مراثي من أبي تمام فمن ذلك قوله:

(غدا غودة والمجدُ نسجُ ردائِه ... فلم ينصرفْ إلا وأكفانهُ الأجرُ)

(فأثبتَ في مستنقعِ الموتِ رجلهُ ... وقال لها من تحتِ أخمصكِ الحشر)

(فتى ماتَ بينَ الضّربِ والطعن ميتةً ... تقومُ مقامَ النصرِ إنْ فاتَه النصرُ)

(فتى سلبتْه الخيلُ وهو لها حمى ... وبزتهُ نارُ الحربِ وهو لها جمر)

(كأن بني نبهانَ يومَ وفاتهِ ... نجومِ سماءٍ خرَ من بينها البدرُ)

(مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَِ روضةٌ ... غداةَ ثوى إلا اشتهتْ إنها قبرُ)

(وكيف احتمالي للسحاب صنعية ... بإسقائه قبراً وفي لحدهِ البحرُ)

ولولا كراهة الإطالة لا وردت القصيدة كلها إذ ليس فيها إلا مختارٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>