للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأبلغ من عظتها أو شهادة أصح وأعدل من شهادتها بالفناء على نفسها، ألم تر أجزاءها مؤتلفة بالاجتماع مختلفة بالطباع يهلك بعضها بعضاً ويعود إبرامها نقضاً، فيا ناسياً للصخر وتهدمه وللحديد وتثلمه واثقاً ببقاء لحمه ودمه ومساعفاً لشبقه وقرمه إذكر أن جسدك وشيكا مفارقك وأنه وإن جددته مخلقك وأنك تطلقه في شهواته ويوثقك وتبقى عليه من التعب ويوبقك ففيم تشتغل به عن مصلتحك وعلام تتكل في عقبيك إلى أن قال وتقوى على الزهد فيما يتنافسه الجهال بذكر الموت وفجأته وبغتاته ووضوح آياته وغموض ميقاته وانخذال المحالة عن دفعه ويأس النفوس من منعه عند غوصه عليها في الأبدان وتخليله لها من الأعظم والأعصاب والعروق واللحم والإهاب حتى يسوقها من الإغماض والأوصال سياق رهاق مضيق للخناق محقق للفراق مؤيس من التلاق عند إحساسه بموت جسده عضواً فعضواً وفقدان قوته جزءً جزءً وهي تمرح في الصدر حشرجة وفي الجوانح رجرجة وفي اللهوات غرغرة وفي الحلقوم خرخرة بالنزع الجاذب والعلن الكاذب والفواق الدائب والأنفاس الذواهب فهناك تنفس الصعداء وتوقد البرحاء وفي سمعه وبصره بقية يرمق بها أولاده يتامى ونساءه أيامي وأمواله نهبى وجموعه شتى ووجوه الشامتين به مشرقة والدموع من أحبته مستبقة والجيوب عليه مشققة والشعور مقطعة والخدود باللطم مبقعة وذلك غير عائد عليه ولا عليهم بمنفعة في كلام طويل. ومن جيد ما قيل في إفضاء السلامة بصاحبها إلى الهلاك قول النمر بن تولب:

(تداركْ ما قبلَ الشبابِ وبعدَهُ ... حوادثَ أيامٍ تمرُ وأغفل)

(يودُ الفتى طولَ السلامةِ والغنى ... فكيفَ ترى طولَ السلامة يفعل)

(يُرَدُّ الفتى بعد اعتدالٍ وصِحّةٍ ... ينوءُ إذا رام القيامَ ويحمل)

وقيل لرجل من الأوائل: ما كان سبب موت أخيك؟ قال كونه فأحسن ما شاء. وقال بعضهم في معناه:

(ما بالُ من آفته بقاؤهُ ... نغصَ عيشي كله فناؤهُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>