من مِرباع الجاهلية، واختار الصفايا لرسول رب العالمين دون السيد المعمم، وفضول المقاسم لبيت المال دون سواد المقاتلة، وسَرعان العدي، وفوض أمر الحكم وأمر النشيطة لواضع الشريعة ولبس وقارَ الإيمان ووضع طرفه الأشوس بعبادة الرحمن بعد أن كان غارزاً رأسه، مُصعِّراً خذَّه، يضع سيفه مكان سوطه، وسوطه مكان قوله. هذا والتربة والهواء واحد، وهم فوضى شركاء في النَّعم والأسنان، والأمزجة والبلدان، ومحاني البرق والزادات، والمطاعم والأغذية يحتبلون على الشرائع وينتصبون في القُتَر، ويضربون النيبَ على العراقيب، ويرومون الضبَّ في وَجاره بمرداته، ويأكلون الكُشى بالأكباد، ويدرجون بحيث ينتعل كل شيءٍ ظلَّه، ويستضيف الطائر الضبَّ في وَجاره، بادين نواشر عارينَ أشاجع، وتضمهم الجزيرة التي لا يشقّها بحر، ولا يجتابها نهر، يتحالفون يداً على من سواهم، ويتجاورون حرباً على من عاداهم، والعدد كأعظم ما عُهد توافراً، والحصا والجماجم كأكثر ما يكون تكاثراً. فلما جاء أمر الله وقع البأس بينهم، وتخاذلوا غِبَّ تناصرهم، وتآكلوا بعد تآزرهم، وظهر الحق وهم كارهون، " ويأبى الله إلاّ أنّ يتمَّ نورَه ولو كره الكافرون " فسبحان الجبار القهار الذي تفرد بالقوة القاهرة، والقدرة الغالبة، ووصل خلقه بوهن المعجزة، وضعف المقدرة، الفعال لما يشاء، لا رادَّ لأمره، الحَكّام لما يريد، ولا مُعقِّب لحكمه، جلّ ثناؤه وعزّ سلطانه.
ثم رجع الكلامُ إلى أمّ زنبق؛ وأم الجيش اللواء، وأبو مالك الجوع، قال:
أبو مالك يعتادُنا في الظهائرِ ... يجيءُ فيُلقي رحلَهُ عندَ جابرِ
وأبو يحيى الموت، وأبو البيضاء الحبشيّ، وأبو الجعد الذئب، وأنشد الخليل في كتاب العين: أخشى أبا الجعدِ وأمّ عمرو. والجعدة من أولاد المعز، وسمي الذئب أباه وهو يأكله على سبيل التهكّم، وأبو البيضاء سمّوا به الأسود ليتطيّروا به، وكذلك أبو يحيى وأبو دِثار الكِلّة.
قال الشاعر:
لَنعمَ البيتُ بيتُ أبي دِثارٍ ... إذا ما خافَ بعضُ القومِ بعضا
أي خاف بعضهم قرصَ البعوض. وأبو السريع العرفج لسرعة اشتعال النار فيها.
قال الراجز:
لا تعدلَنَّ بأبي السريعِ ... إذا غدَتْ نَكباءُ بالصقيعِ