أشهر، وكانت رحلتي إلى المشرق في المحرم سَنَة إحدى وخمسين وثلاثمائة، ودخلت بَغْدَاد وصاحب الدولة بها أحْمَد بن بويه الأقطع. قال ابن الفرضي: وتفقه هنالك لمالك، ثمّ وصل إلى الأندلس في آخر أيّام المستنصر بالله - رحمه الله - قشُور وقرأ عليه النَّاس كتاب البخاريّ، وكان حرج الصدر، ضيق الخلق، وكان عالمًا بالكلام والنظر منسوبًا إلى معرفة الحديث، وجمع كتابًا في اختلاف مالك والشّافعيّ وأبي حنيفة سماه كتاب "الدلائل على أمهات المسائل"، وقد حفظت عليه أشياء وقف عليها أصحابنا وعرفوها. وقال الشيرازي: ممّن انتهى إليه هذا الأمر من المالكية بالأندلس، وكان مفوهًا وله مصنفات، وكان ورعًا متحريًا للسَنَة. وقال ابن عفيف: رحل وتفقه فاحتوى على علم عظيم، وقدم الأندلس ولا نظير له فيها في الفهم والنبل. وقال غيره: كان من جلة العلماء، نسيج وحده، رحل إلى الأمصار، ولقي الرجال، وتفنن في الرأي، ونقد الحديث وعلله، وألف كتبًا نافعة. وقال ابن الحذاء: لم ألق مثله في علمه بالحديث ومعانيه وعلله ورجاله. وذكره ابن المهلب في "مشَيخته" وقال: هو أجلهم علمًا وفقهًا وأثبتهم نقلًا، وأصحهم ضبطًا، وأرفعهم حالًا، وأعدلهم قولًا. وقال ابن حيان: كان في حفظ الحديث، ومعرفة الرجال، والإتقان للنقل، والبصر بالنقد، والحفظ للأصول، والحذق برأي أهل المدينة والقيام بمذهب المالكية والجدل فيه على أصول البَغْدَاديين فردًا لا نظير له في زمانه، بلغني من غير وجه أنّه وُجد في كتب الدَّارقُطْنِي: حدثني أبو محَمَّد الأصيلي ولم أر مثله. وقال يحيى بن الأشج- لما طلب منه أنّ يحدث بكتاب البخاريّ-: لا يراني الله أحدث به والأصيلي حي أبدًا. وقال أبو الوليد: لما دخلت القيروان أتيت أبا محَمَّد بن أبي زيد فقال لي: حاجتك؟ قلت: الأخذ عنك. فقال لي: ألم يقدم عليكم الأصيلي؟ قلت: بلى. قال لي: تركت- والله- العلم وراءك ... وأتيت القابسي فجرى معه مثل ذلك، وقال مثل قوله. وقال أبو عبد الله الحميدي: من كبار أصحاب الحديث والفقه، رجل فدخل القيروان، ثمّ رحل إلى العراق، وأكثر الجمع والرواية, ورجع إلى الأندلس فساد في ذلك، وكان متقنًا للفقه والحديث، ألف كتابًا كبيرًا في في الدلائل على المسائل، فما قصَّر. وقال سعد الخير: محدِّث متقن، فَاضِل معتبر تفقه بالأندلس فانتهت إليه الرياسة.