وقال الحاكم: سمعت الدَّارقُطْنِي يقول: أخبرت بعلة أبي بكر الجعابي فقمت إليه في الوقت، فدخلت داره، فرأيته يحرق كتبه بالنار، فأقمت عنده حتّى ما بقي منه سينة، ثمّ مات من ليلته. وقال أبو علي الحافظ: ما رأيت في المشايخ أحفظ من عبدان، ولا رأيت من أصحابنا أحفظ من أبي بكر الجعابي، وحيرني حفظه. قال الحاكم: فذكرت هذا للجعابي فقال: يقول أبو علي هذا القول، وهو أستاذي على الحقيقة. وقال محَمَّد بن الحسن بن الفضل القطان: قال لي: ضاع لي قمطران من الكتب، فقلت لغلامي: لا تغتم، فإن فيها مائتي ألف حديث، لا يشكل علي منها حديث، لا إسنادًا ولا متنًا. وقال أبو علي التَّنُوخي: ما شاهدنا أحفظ من أبي بكر بن الجعابي، وسمعت من يقول: إنّه كان يحفظ مائتين ألف حديث، ويجيب في مثلها؛ إِلَّا أنّه كان يفضل الحفاظ، فإنّه كان يسوق المتون بألفاظها، وأكثر الحفاظ يسامحون في ذلك، وإن أثبتوا المتن، وإلا ذكروا لفظة منه أو طرفا، وقالوا: وذكر الحديث، وكان يزيد عليهم بحفظه المقطوع والمرسل، والحكايات، والأخبار، ولعلّه كان يحفظ من هذا قريبًا ممّا يحفظ من الحديث المسند، والذي يتفاخر الحفاظ بحفظه، وكان إمامًا في المعرفة بعلل الحديث، وثقات الرجال، من معتليهم وضعفائهم وأسمائهم، وأنسابهم، وكناهم، ومواليدهم، وأوقات، وفاتهم، ومذاهبهم، وما يطعن به على كلّ واحد وما يوصف به من السداد، وكان في آخر عمره قد انتهى هذا العلم إليه، حتّى لم يبق في زمانه من يتقدمه في الدنيا. وقال أبو الحسن بن رِزْقَوَيه: كان يحضر مجلسه ابن المظَفر، والدَّارقُطْنِي، ولم يكن يملي الأحاديث -كلّ بطرقها - إِلَّا من حفظه. وقال أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي: سمعت الجعابي يقول: أحفظ أربعمائة ألف حديث، وأذاكر بستمائة ألف حديث. وقال أبو علي الحافظ: ما رأينا من أصحابنا أحرص على العلم منه. وقال الحاكم: حدّثنا القاضي أبو بكر بن الجعابي الحافظ الأوحد. وقال أبو القاسم التَنُوخي: تقلد ابن الجعابي قضاء الموصل، فلم يحمد في ولايته. وذكر أبو القاسم إبراهيم بن إسماعيل المصري أنّ ابن الجعابي كان يشرب في مجلس ابن العميد. قال الذَّهَبِي: وذكر الخَطِيب عن رجاله أنّ ابن الجعابي كان يشرب في مجلس ابن العميد، قلت -أي الذَّهَبِي-: لم يُبين ما كان يشرب هل هو نبيذ أو