للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٢) تقربه للوزير ابن حِنْزَابَة وتزلُّفه إليه.

قال اليافعي في "مرآة الجنان (١) " في نهاية ترجمته للدارقطني: "قلت فهذا ما لخصته من أقوال العلماء في ترجمته، وكل ذلك مدح في حقِّه؛ إلى سفره إلى مصر من أجل الوزير المذكورة فإنّه وإن كان ظاهره كما قالوا لمساعدةٍ له في تخريج "المسند" المذكور، فلست أرى مثل هذا الإيقاع بأهل العلم ولا بأهل الدِّين، نعم لو كان هذا لمساعدةٍ من بعض أهل العلم والدين لا يشوبها شيءٍ من أمور الدنيا، كان حسنًا منه وفضلًا، وحرصًا على نشر العلم، والمساعدة في الخير، وبعيد أنّ تطاوع النفوس لمثل هذا إِلَّا إذا وفَّق الله، وذلك نادر أو معدوم".

وأجيب عن ذلك بأن ابن حِنْزَابة لم يكن وزيرًا وصاحب سلطان وجاه فقط، بل كان من أهل العلم والفضل، بذل نفسه للعلّم والعلّماء (٢)، فرحلة الدارقطني رحلة لعالم من العلماء، مشهود له بالتقوى والصلاح، وهذا أمر لا ينبغي أن يلام عليه العالم، بل ينبغي أنّ يمدح بذلك، وخاصة من أمثال الدارقطني، وأنّه لم يقصر رحلته على هذا العالم الأمير، بل جعلها رحلة ينشر فيها العلم بين طلابه، وقد سبق أنّه لما أراد الخروج من مصر، خرج أهلها لتوديعه وهم يبكون، فرحم الله هذا الإمام، ولله دره من همام، وقد علَّق الذهبي على قصة إملاء الدارقطني على الغريب وقبوله الهدية منه بقوله:

قلت: هذه حكايته صحيحة رواها الخطيب عن العتيقي، وهي دالة على سعة حفظ هذا الإمام وعلى أنّه لوَّح بطلب شيءٍ، وهذا مذهب لبعض العلماء، ولعلّ الدارقطني كان إذ ذاك يحتاجه، وكان يقبل جوائز دعلج السجزي وطائفة، وكذا وَصَلَه الوزير ابن حنزابة بجملة من الذهب لما خرَّج له المسند (٣).


(١) (٢/ ٤٢٦).
(٢) النبلاء (١٦/ ٤٨٥).
(٣) النبلاء (١٦/ ٤٥٦).

<<  <   >  >>