للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الغيرة على حرمة العفة ركن العروبة، وقوام أخلاقها في الجاهلية والإسلام، لأنها طبيعة الفطرة البشرية الصافية النقية، ولأنها طبيعة النفس الحرة الأبية.

لقد رأينا هذا الخلق يستقر في نفوس الجاهليين الذي تذوقوا معاني تلك الفضائل، وتحلوا بها، فإذا هم يغارون على عِرض جيرانهم من هوى أنفسهم ذاتهم، استمع معي إلى. عنترة يقول مفتخرا بنفسه:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها

وقول حاتم الطائي:

إذا ما بت اختل عرس جاري ... ليخفيني الظلام فلا خفيت

أأفضح جارتي وأخون جاري ... فلا والله أفعل ما حييت

وفي عصر الإسلام يقول مسكين الدرامي:

ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القِدْرُ

ما ضر جاري إذ أجاوره ... أن لا يكون لبيته ستر

أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يواريَ جارتي الخِدر

ويقول آخر في جارته أيضًا:

ولم أكن طلابا أحاديث سرها ... ولا عالمًا إذا ما مرت أي جنس ثيابها

وربما قامت الحروب غيرة على المرأة، وحمية لشوفها، واستجابة لاستغاثتها واستنجادها: فقد (تدافعت أشراف العرب في مساق عامتهم

يوم الفِجار (١) قريش وهوازن وكان من أمر ذلك أن شبابًا من كِنانة أطافوا بامرأة من غِمار الناس في سوق عُكاظ، فأعجبهم ما رأوْا من حسنها، وسألوها أن تُسْفِرَ لهم عن وجهها، فأبت ذلك عليهم، فاخذوا يُعْنِتُونَها (٢)


(١) حروب الفِجار: حروب نشبت بين العرب في الجاهلية في سوق عكاظ وهي أربع، وإنما دعيت بهذا الاسم لأن العرب أباحوا فيها حرمة الأشهر الحرم فقاتلوا، فكان ذلك منهم فِجارَا أي تفاجرَا.
(٢) أعنته: شق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>