للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القرطبي رحمه الله أيضَا:

قوله تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ) أي الحرائر، حتى لا يختلطن بالإماء، فإذا عُرِفن لم يقابَلْن بأدنى من المعارضة مراقبةً لرتبة الحرية، فتنقطع الأطماع عنهن، وليس المعنى أن تُعرف المرأة حتى تُعْلَمَ من هي (١) ، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة قد تقنعت ضربها بالدرة، محافظة على زي الحرائر.

وقد قيل: إنه يجب الستر والتقنع الآن في حق الجميع من الحرائر والإماء، وهذا كما أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا النساءَ المساجدَ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، حتى قالت عائشة رضي الله عنها: "لو عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا لمنعهن من الخروج كما مُنِعَتْ نساء بني إسرائيل"، (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) تأنيس للنساء في ترك الجلابيب قبل هذا الأمر المشروع. اهـ (٢) .

* قول الإمام القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي الشافعي (ت ٦٩١ هـ) :

قال رحمه الله في "تفسيره":

(يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا

برزن لحاجة، و (مِن) للتبعيض، فإن المرأة ترخي بعض جلبابها، وتتلفع ببعض (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ) يُمَيَّزنَ عن الإماء والقينات (فَلَا يُؤْذَيْنَ) فلا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض لهن (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) لما سلف (رَحِيمًا) بعباده حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها. اهـ (٣) .


(١) وانظر أيضا تفسير الثعالبي المالكيّ (ت ٨٧٥ هـ) ، الموسوم بـ "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" (٣/٢٣٧) .
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" (١٤/ ٢٤٣ - ٢٤٤) .
(٣) "أنوار التنزيل، وأسرار التأويل" (٢/ ٢٨٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>