ابن أبي بكر ابن قيم الجوزية تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، للرد عليهم وتتبع ما استدلوا به، وكان مما قال رحمه الله في الرد على الشبهة السابقة: وأما تحريم النظر إلى العجوز الحرة الشوهاء القبيحة، وإباحته إلى الأمة البارعة الجمال فكذب على الشارع، فأين حرَّم الله هذا، وأباح هذا؟ والله سبحانه وتعالى إنما قال:(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)[النور: ٣٠] ، ولم يطلق الله ورسوله للأعين النظر إلى الإماء البارعات الجمال، وإذا خشي الفتنة بالنظر إلى الأمة حرم عليه بلا ريب.
وإنما نشأت الشبهة أن الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههن عن الأجانب، وأما الإماء فلم يوجب عليهن ذلك، لكن هذا في إماء الاستخدام والابتذال، وأما إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن، فأين أباح الله ورسوله لهن أن يكشفن وجوههن في الأسواق والطرقات ومجامع الناس، وأذن للرجال في التمتع بالنظر إليهن؟
فهذا غلط محض على الشريعة، وأكَّد هذا الغلطَ أن بعض الفقهاء سمع قولهم:"إن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وعورة الأمة ما لا يظهر غالبًا كالبطن والظهر والساق"، فظن أن ما يظهر غالبًا حكمه حكم وجه الرجل، وهذا إنما هو في الصلاة، لا النظر، فإن العورة عورتان: عورة في الصلاة، وعورة النظر، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك، والله أعلم (١) اهـ.
وما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام المحقق ابن القيم عليهما الرحمة من احتجاب الحسان من الإماء، وبروز غير الحسان، قد نص عليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فنقل ابن منصور عنه أنه قال:"لا تنتقب الأمة"، ونقل ابن منصور عنه أيضًا، وأبو حامد الخَفَّاف أنه قال: "تنتقب