وقد فسرها ابن عباس رضي الله عنهما أيضا بما يقارب هذا إلى حد كبير، وما ثقله عنه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه يقول فيه:"أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة"، وهذا ما قاله قتادة والسدي أيضًا في تفسير هذه الآية.
ويتفق أكابر المفسرين الذين ظهروا في تاريخ الإسلام بعد عصر الصحابة والتابعين على تفسير الآية بهذا المعنى" اهـ.
* ثم قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى:(ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) :
المراد بقوله (يُعْرَفْنَ) أن كل من يراهن في هذا اللباس الوقور المحتشم
غير المزين يعرف أنهن شريفات حرائر، لا أوباش متهتكات متبذلات فيطمع أي مستهتر خليع في أن ينال منهن مراده.
والمقصود من قوله:(فَلَا يُؤْذَيْنَ) لا يتعرض لهن أحد بأذى.
ونحن نتوقف هنا قليلا، ونحاول أن نفهم معًا أي روح لقانون الاجتماع الإسلامي يعبر عنها هذا الأمر القرآني؟ وما هو غرضه ومقصوده الذي ذكره رب العالمين بنفسه؟
لقد أمر الله النساء في الآية رقم (٣١) من سورة النور ألا يبدين زينتهن
إلا لأشخاص معينين ذُكِروا في هذه الآية:(وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) ، فإذا قرأنا هذا الأمر متصلًا مع الآية التي بين أيدينا من سورة الأحزاب، ظهر لنا في وضوح أن الأمر الصادر إلى النساء في هذه الآية أن يدنين عليهن من جلابيبهن يعني: إخفاء الزينة عن غير المحارم، ولا يتحقق هذا الغرض طبعًا إلا إذا كان الجلباب غير مزين ولا منقوش في ذاته، وإلا ضاع هذا الغرض بارتداء جلباب مزين منقوش لافت للنظر.