للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرعي الإعمال لا الإهمال؛ وأن الواجبَ - عند التعارض - أن لا يصار إلى ترجيح أحد الدليلين إلا عند تعذر الجمع بينهما، لأن إعمال الدليلين

معا أولى من إلغاء أحدهما؛ إذن يتعين محاولة الجمع بينهما (١) ، وهذا ما

فعله فريق من العلماء:

* قال ابن رسلان في حديث عائشة رضي الله عنها:

"والحديث مقيد بالحاجة إلى رؤية الوجه والكفين كالخطبة ونحوها (٢) ،

ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن


(١) لا يتَصَوَّرُ أن تأمر الآية والأحاديث الصحيحة المؤمنين بغض الأبصار، في حين نجد في هذا الحديث تصريحًا بإباحة النظر إن الوجه والكفين مِمّا يوجب تأويل
الحديث - على فرض ثبوته- لأن فيه قرينةَ تدل على قابليته للتأويل، أو التقييد
بالحاجة أو الضرورة، ألا وهي قوله: "لا يصلح أن يُرى منها"، ومعلوم معارضة
لفظه "يُرى" للنصوص الآمرة بغض البصر، وهذا بخلاف ما لو قال: (لا يصلح
أن يظهر منها إلا وجهها وكفيها) ، بل إنه إذا أباح الكشف بلا قيد فقد أوقع
المسلمين في حرج شديد حين يطلق الكشف، وبأمر بالغض، والشريعة منزهة عن ذلك الحرج (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: ٧٨) ولأنه يحول دون
أطهرية قلوب المؤمنين بكثرة المشاهد، ومحاولات الغض، خاصة في زماننا، وهذا بخلاف نظرة الفجأة إلى ما قد يظهر من النساء بدون قصد إظهار، فذلك قليل نادر في المجتمع الإسلامي.
وعلى فرض جواز كشف الوجه واليدين بلا تقييد بحاجة أو ضرورة، مع الأمر
بغض البصر، فما هو واجب المرأة المسلمة إذا عاشت بين قوم رَقّ دينهم، وذهب ورعهم، فلا يرتدعون عن النظر المحرم إلى وجهها، هل تعينهم على هذا الفسق،
وتشارك في هذه الفتنة أم أنه يجب عليها حينئذٍ منع هذا المنكر، إما بقرارها في بيتها، وإما بالخروج عند الحاجة متسترة محجبة درءًا للفتنة وسدُّا للذريعة؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>