للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مريدا خطبتها لكنها أبت أن تنكحه.

جاء في رواية البخاري أنه كان ممن خطبها، فأبت أن تنكحه، فقال لها

ما قال، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "كذب (١) أبو السنابل" رواه أحمد، وفي رواية

الموطأ: فخطبها رجلان أحدهما شاب، وكهل، فحطت إلى الشاب، فقال الكهل: "لم تحلي"، وكان أهلها غَيَبًا فرجا أن يؤثروه بها" (٢) اهـ.

فأين في الحديث جواز كشف الوجه والكفين لغير الخاطب؟

ثالثا: أما استدلال محدث الشام بقصة سبيعة على أن الكفين لم يكونا عورة في عرف نساء الصحابة: فيرده ما سبق ذكره (٣) مرارًا امن أدلة الكتاب والسنة وأقوال العلماء على أن عرفهن الغالب كان الاستتار

الكامل عن الرجال، ويرده كذلك قول سبيعة نفسها في رواية أخرى: "فلما قال لي ذلك - أي أبو السنابل - جمعتُ عَلَيَّ ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك. . . الحديث".

فقولها: "جمعت علي ثيابي" يوحى بأنها خرجت عن حال التزين المذكورة، وإذا ضممنا إليها قولها: "حين أمسيت" فهمنا عن سلوكها رضي الله عنها حرصها الشديد على الاستتار عن الأجانب ليس فقط بالحجاب بل أيضا بظلام الليل.


(١) وقد يراد بالكذب الخطأ في الفتوى، وهو في كلام أهل الحجاز كثير، أو يراد به ظاهره من جهة أنه كان عالمَا بالقصة وأفتى بخلافه، وهذا بعيد، قال الحافظ: "وفيه أن المفتي إذا كان له ميل إلى الشيء لا ينبغي له أن يفتي فيه لئلا يحمله الميلُ
إليه على ترجيح ما هو مرجوح كما وقع لأبي السنابل حيث أفتى سبيعة أنها لا
تحل بالوضع لكونه كان خطبها فمنعته، ورجا إذا قبلت ذلك منه وانتظرت مُضي المدة حضر أهلها فرغبوها في زواجه دون غيره " اهـ (٩/ ٤٧٥) .
(٢) "الموطأ" (٢/ ٥٨٩- ٥٩٠) في الطلاق، باب عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملًا، ومعنى (حطّت إلى الشاب) : مالت إليه، ونزلت بقلبها نحوه. و (غَيَبًا) بفتح الياء جمع غائب "جامع الأصول" (٨/١٠٨) .
(٣) انظر ص (٤٥٠) ، (٤٧٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>