للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعّل الحكمة في ذلك أن الأمر بغض البصر مع بقاء الوجوه سافرة قد يشق على بعض النفوس، ولكنه مع الحجاب أيسر، ومن ثم فإن الأمر بغض البصر نزل تأكيدًا للحجاب القائم فعلًا، أي أنه - أي إطلاق البصر - لا يجوز للمرأة الأجنبية، وإن كانت محجبة سدّا للذرائع، ودرءًا

للفتنة، فتناولت الشريعة الحكيمة إخماد الفتنة وسد ذريعتها من الجانبين:

من جانب المرأة حيث كلفتها بالحجاب، ثم من جانب الرجل حيث كلفته بغض البصر.

ولقد صار الحجاب بعد نزول الأمر بغض البصر في سورة النور أصلا

من أصول النظام الاجتماعي في الدولة المسلمة، واستمر عليه المسلمون

قرونا مديدة، ولم يستطع أحد أن يشكك في وجوب التزامه، ولم يطالب

أحد ببتر جزء من هذا الحجاب خوفًا من تفريغ آية غض البصر من

مضمونها، أو تعطيلها عن مجال عملها، تالله إنها لشبهة أوْهَى من بيت العنكبوت يغني فسادها عن إفسادها.

السادس: سلمنا جدلا أن الأمر بغض البصر يُشِعر بأن هناك شيئًا مكشوفًا من المرأة هو الوجه، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الأمر بغض البصر يفيد تحريم النظر إلي وجه الأجنبية، ينتج أن النظر إلى الوجه المكشوف حرام.

فلننتقل إلى السؤال التالي:

كيف يكون الحكم لو شاع الفسق، وعاشت المرأة في مجتمع لا يتورع رجاله عن النظر إلى وجهها بشهوة، وأرادت هي أن لا تتسبب في حدوث هذا المنكر؟

والجواب لا يخرج عن أحد احتمالات:

الأول: أن تلزم المرأة بيتها، ولا تغادره أبدًا، ولا يخفى ما فيه من مشقة

لبعض النساء.

والثاني: أنها إذا خرجت لحاجتها تكلف كل من تمر عليه من الرجال

<<  <  ج: ص:  >  >>