للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمعلوم أن كشفها عن وجهها كان لأجل الإحرام (١) لا لجواز السفور، ثم

يحتمل أن تلك المرأة كانت راكبة فكانت تحتاج إلى كشف وجهها للتثبت

على راحلتها والتمكن عن ظهرها وزمامها، أو التجأت إلى ذلك لازدحام الحجيج وإيابهم وذهابهم فكان ما انكشف منها من قبيل (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) ، أو تعمدت من كشف وجهها أن يراها النبي صلى الله عليه وسلم شابة وضيئة حسناء فلعله يميل إلى التزوج بها، أو كشفت وجهها لأنها علمت أنها بمأمن من نظر الرجال.

ويستأنس لذلك أن الراوي ذكر نظر الفضل إليها ولم يذكر نظر أحد

غيره إليها، فلو نظر إليها أحد غيره، لحكى ذلك كما حكى نظر الفضل

إليها، ولما صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل عنها لم يبق أحد ينظر إليها حتى

تحتاج إلى ستر الوجه وتؤمر به.

ويفهم من صرف نظر الفضل عنها أنه لا سبيل إلى ترك الأجانب ينظرون إلى الشابة وهي سافرة، وأن وجه المرأة هو مصدر الفتن ومزلة

الأقدام، فمن شاء فليفتح بابها، ومن شاء فليغلق.


(١) والدفع بأن المرأة كانت محرمة فيه نظر، وذلك بالنظر إلى ما تقدم تحقيقه (ص
٣٠٣ - ٣٠٦) من أن المرأة لا تمنع من تغطية الوجه والكفين، وأن الذي تمنع منه
هو النقاب والقفازان، واختلف في المكان الذي وقعت فيه الحادثة، ففي رواية
ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري: (ثم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى) ، فأفاد أنها كانت محرمة، لكن يرد عليه ما أشرنا إليه آنفَا، وفي قصة أخرى
رواها علي رضي الله عنه التصريح بأنها وقعت في منى عند المنحر، وبعد رمي جمرة العقبة
كما في "المسند" (١/٧٥ - ٧٦) ، ومع ذلك يجيب عنها من يرى كشف الوجه
والكفين حال الإحرام بقولهم: لو صح أنه وقع عند المنحر، فلا يلزم منه أنها
تحللت، حتى لو كانت قد رمت جمرة العقبة، وحتى لو كانت قد نحرت، فقد رفع
رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرج عمَن قدم أو أخر شيئَا من أعمال يوم النحر، والله أعلم.
وانظر "فتح الباري" (٤/ ٨٠-٨٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>