للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما ينبغي توضيحه أن المشقة نوعان:

الأول: مشقة معتادة مألوفة: وهي التي يستطيع الإنسان تحملها دون

إلحاق ضرر به، فهذه المشقة غير مرفوعة عنا، ولا تنفك عنها العبادة

غالبا، لأن كل عمل في الحياة لا يخلو عن مشقة، بل إن معنى التكليف -

وهو (طلب ما فيه كلفة ومشقة) - لا يتحقق إلا بها، غير أنها محتملة تتلاءم

مع طاقة الإنسان العادية، قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: ٢٨٦] .

* قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

"إن كانت المشقة مشقة تعب، فمصالح الدنيا والآخرة منوطة بالتعب،

ولا راحة لمن لا تعب له، بل على قدر التعب تكون الراحة (١) .

ورُبَّ حكم شرعي جُلُّ مصلحته مرتبط بما فيه من المشقة والجهد

كالقصاص والحدود، فمثل هذه المشقة لا أثر لها في التيسير والتخفيف،

وإنما المشقة التي أنيط بها ذلك هو ما كان فوق الحد المعتاد بسبب طارئ".

* قال العز بن عبد السلام رحمه الله:

المشاق ضربان: أحدهما مشقة لا تنفك العبادة عنها، كمشقة الوضوء والغسل في شدة السبرات (٢) ، وكمشقة إقامة الصلاة في الحر والبرد،

ولاسيما صلاة الفجر، وكمشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار،

وكمشقة الحج التي لا انفكاك عنها غالبًا، وكمشقة الاجتهاد في طلب

العلم والرحلة فيه، وكذلك المشقة في رجم الزناة، وإقامة الحدود على

الجناة، ولاسيما في حق الآباء والأمهات والبنين والبنات، فإن في ذلك

مشقة عظيمة على مقيم هذه العقوبات بما يجده من الرقة والمرحمة بها


(١) "إعلام الموقعين" (٢/ ١١٢)
(٢) السبرات: جمع سبرة وهي شدة البرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>