للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضا: فإن الصغر سبب الحجر بالنص والإجماع، وأما جعل البكارة موجبة للحجر فهذا مخالف لأصول الإسلام؛ فإن الشارع لم يجعل البكارة سببا للحجر في موضع من المواضع المجمع عليها، فتعليل الحجر بذلك تعليل بوصف لا تأثير له في الشرع.

وأيضًا فإن الذين قالوا بالإجبار اضطربوا فيما إذا عينت كفوًا، وعين الأب كفوًا آخر: هل يؤخذ بتعيينها؟ أو بتعيين الأب؟ على وجهين في مذهب الشافعي وأحمد، فمن جعل العبرة بتعيينها نقض أصله، ومن جعل العبرة بتعيين الأب، كان في قوله من الفساد والضرر والشر ما لا يخفى؛ فإنه قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " الأيم أحق بنفسها من وليها؛ والبكر تستأذن، وإذنها صماتها " وفي رواية: " الثيب أحق بنفسها من وليها "، فلما (٧٩٤) جعل الثيب أحق بنفسها، دل على أن البكر ليست أحق بنفسها؛ بل الولي أحق (٧٩٥) ، وليس ذلك إلا للأب والجد، هذه عمدة المجبرين، وهم تركَوا العمل بنص الحديث، وظاهره؛ وتمسكوا بدليل خطابه؛ ولم يعلموا مراد الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قوله: " الأيم أحق بنفسها من وليها " يعم كل ولي، وهم يخصونه بالأب والجد (٧٩٦) ، و"الثاني"


(٧٩٤) كذا كالأصل (٣٢/٢٤) ، ومقتضى السياق: (قالوا: فلما جعل) .. إلخ وتنتهي حكاية كلامهم عند قوله: (إلا للأب والجد) فتأمل.
(٧٩٥) راجع الحاشية رقم (٧٨٤) ، والجواب عما ذكروه أن المفهوم الذي يستدلون به هنا لا ينتهض للتمسك به في مقابلة المنطوق كما سيأتي في كلام شيخ الإسلام، وفي حديث ابن عباس عند أحمد ومسلم وأبي داود والنسائي: " والبكر يستأمرها أبوها"، وهذه زيادة زادها ابن عيينة في حديثه، وزيادة الثقة الحافظ مقبولة. (٧٩٦) قال ابن قدامة رحمه الله:
(أما البكر فإذنها صماتها في قول أهل العلم منهم شريح والشعبي وإسحاق والنخعي والثوري والأوزاعي وابن شبرمة وأبو حنيفة، ولا فرق بين كون الولي أبا أو غيره، وقال أصحاب الشافعي: "في صمتها في حق غير الأب وجهان: =

<<  <  ج: ص:  >  >>