للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (مِمَّن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها ") (٨٥٨) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

(وإذا رضيت رجلًا، وكان كفؤًا لها، وجب على وليها - كالأخ ثم العم - أن يزوجها به، فإن عَضَلَها أو امتنع عن تزويجها زَوَّجَها الولي الأبعد منه أو الحاكم بغير إذنه باتفاق العلماء، فليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه؛ ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه إذا كان كفؤًا باتفاق الأئمة؟ وإنما يجبرها ويعضلها أهل الجاهلية والظلمة الذين يزوجون نساءهم


(٨٥٨) "عيون الأخبار، لابن قتيبة (٤/١٧) ، ومما يجمل ذكره هنا قصة زواج مبارك أبي الإمام العظيم عبد الله بن المبارك رحمه الله، وكان رجلا تركيا، وكان عبدا لرجل خوارزمي من التجار من همذان من بني حنظلة، وكان رجلا تقيا صالحا، كثير الانقطاع للعبادة، محبا للخلوة، شديد التورع، ومن حديثه: " أنه كان يعمل في بستان لمولاه، وأقام فيه زمانا، ثم إن مولاه صاحبَ البستان جاءه يوما، وقال له: "أريد رمانا حلوا"، فمضى إلى بعض الشجر، وأحضر منها رمانا، فكسره فوجده حامضا، فَحَرَد - أي غضب - عليه، وقال: " أطلب الحلو فتحضر لي الحامض؟ هاتِ حُلْوا "، فمضى، وقطع من شجرة أخرى، فلما كسرها وجده أيضا حامضا، فاشتد حرده عليه، وفعل ذلك مرة ثالثة، فذاقه، فوجده أيضًا حامضًا، فقال له بعد ذلك: " أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ "، ففال: " لا "، فقال: " وكيف ذلك؟ "، فقال: " لأني ما أكلت منه شيئا حتى أعرفه "، فقال: " ولِمَ لم تأكُلْ؟ "، قال: " لأنك ما أذنت لي بالأكل منه "، فعجب من ذلك صاحب البستان، وكشف عن ذلك فوجده حقا، فعظم في عينيه، وزاد قدره عنده، وكانت له بنت خُطِبَتْ كثيرًا؛ فقال له: " يا مبارك، مَنْ ترى تزوجُ هذه البنت؟ "، فقال: " أهل الجاهلية كانوا يزوجون للحسب، واليهود للمال، والنصارى للجمال، وهذه الأمة للدين "، فأعجبه عقله، وذهب فأخبر به أمها، وقال لها: " ما أرى لهذه البنت زوجا غير مبارك"، فتزوجها، فجاءت بعبد الله بن المبارك"، فتمت عليه بركة أبيه، وأنبته الله نباتا صالحًا، وربَّاه على عينه، انظر: " وفيات الأعيان" لابن خلكان (٢/٢٣٧) ، و" شذرات الذهب" لابن العماد (١/٢٩٦) ، و" مرآة الجنان" لليافعي (١/٣٧٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>