للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحمل المسلمون على الروم حملة منكرة، ودارت بينهم الحرب كما تدور الرحى، وتكاثرت جموع الروم على ميمنة المسلمين، فعادت الخيل تنكص بأذنابها راجعة على أعقابها منكشفة كانكشاف الغنم بين يدي الأسد، ونظرت النساء خيل المسلمين راجعة على أعقابها، فنادت النساء: " يا بنات العرب! دونكن والرجال، ردوهم من الهزيمة حتى يعودوا إلى الحرب "، قالت سعيدة بنت عاصم الخولاني: (كنت في جملة النساء يومئذ على التل، فلما انكشفت ميمنة المسلمين صاحت بنا عقيرة بنت غفار، وكانت من المترجلات الباذلات، ونادت: " يا نساء العرب! دونكن والرجال، واحملن أولادكن على أيديكن، واستقبلنهن بالتحريض "، فأقبلت النسوة، واستقبلن من انهزم من سرعان الناس يضربنهم بالخشب والحجارة، ويرجمن وجوه الخيل بالحجارة، وجعلت ابنة العاص بن منبه تنادي: " قَبح الله وجه رجل يفر عن حليلته "، وجعلت النساء يقلن لأزواجهن: " لستم لنا ببعولة إن لم تمنعوا عنا هؤلاء الأعلاج " (١٣٤٥) ، وكانت خولة تقول هذه الأبيات:

يا هاربًا عن نسوة ثقاتْ ... لها حمال ولها ثباتْ

تُسلِمُوهُن إلى الهَنات ... تَمْلِكُ نواصِينَا مع البنات

أعلاج سوء فسق عتاة ... ينلن منا أعظم الشتات

قال ابن جرير: (وقد قاتل نساء المسلمين في هذا اليوم، وقتلوا خلقًا كثيرا من الروم، وكن يضربن من انهزم من المسلمين، ويقلن: " أين تذهبون وتَدَعوننا للعلوج؟ فإذا زجرنهم لا يملك أحد نفسه حتى يرجع إلى


(١٣٤٥) (قال منهال: فقد كانت النساء أشد علينا غلظة من الروم) اهـ. من " فتوح الشام " للواقدي (١/١٢٩) ، وانظر " البداية والنهاية" (٧/١١) .
والأعلاج: جمع عِلْج: وهو الرجل من كفار العجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>