للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حملني على ذلك أني مُحْرَقَةُ الكبد، زائدة الكمد فقال خالد: " من أنت؟ قالت: " أنا خَوْلَةُ بنت الأزور، كنت مع نساء قومي، فأتاني آت بأن أخي أسير، فركبتُ، وفعلتُ ما رأيتَ "، هنالك صاح خالد في جنده، فحملوا، وحملت معهم خولة، وعظم على الروم ما نزل بهم منها، فانقلبوا على أعقابهم، وكانت تجول في كل مكان علها تعرف أين ذهب القوم بأخيها، فلم تر له أثرًا، ولا وقفت له على خبر، على أنها لم تزل على جهادها، حتى استنقذ لها أخوها.

ومن مواقفها الرائعة، موقفها يوم أسر النساء في موقعة " صحورا "، (فقد وقفت في النساء، وكانت قد أسرت معهن، فأخذت تثير نخوتهن، وتضرم نار الحمية في قلوبهن، ولم يكن من السلاح شيء معهن، فقالت: " خذن أعمدة الخيام، وأوتاد الأطناب، ونحمل على هؤلاء اللئام، فلعل الله ينصرنا عليهم فقالت عفراء بنت عَفَار: " والله ما دعوتِ إلى ما هو أحب إلينا مما ذكرتِ "، ثم تناولت كل واحدة عمودًا من عمد الخيام، وصِحنَ صيحة واحدة، وألقت خَوْلَةُ على عاتقها عمودها، وتتابع النساء وراءها، فقالت لهن خولة: " لا ينفك بعضكن عن بعض، وكُنَّ كالحلقة الدائرة، ولا تتفرقن فتُمْلكْنَ، فيقع بكن التشتيت، واحطمن رماح القوم، واكسرن سيوفهم "، وهجمت خولة، وهجم النساء وراءها، وقاتلت بهن قتال المستيئس المستميت، حتى استنقذتهن من أيدي الروم، وخرجت وهي تقول:

نحن بنات تُبَّعٍ وحِمْيَر ... وضربنا في القوم ليس يُنْكَر

لأننا في الحرب نار تسعر ... اليوم تُسْقَوْن العذاب الأكبر) (١٣٥٠)


(١٣٥٠) " السابق " (١/٢٨-٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>