للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد:

فهؤلاء هن أمهاتنا الأوليات، كواكب السحَر في سماء العظائم، وأروع الغُرَرَ في جبين العزائم، وذلك شيء من حديث جهادهن، لا يَدَع لقائل قيلًا، ولا لِمُفْتَخِرٍ سبيلًا، يشهد بسر من أسرار القوة العظيمة، التي جعلت من العرب الأميين خير أمةٍ أخرجت للناس، إنها النفوس التي صاغها الله برحمته، ورواها من حكمته، واصطنعها لتربية جنده، هيَأها لتزكية خَلْقه:

سَلَامٌ عَلى تِلْك الخَلائِقِ إنَّها مُسَلًمَة ... مِنْ كُل عارٍ ومَأثَم

وهذا موقف من مواقف الإيمان، وقد خالطت بشاشته قلب امرأة رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا، حكاه عن الماضي القريب الأستاذ عبد الله بن عفيفي الباجوري رحمه الله:

(في أصيل يوم من صيف سنة ١٩١٤ كنت واقفًا في جمهور الواقفين في محطة طنطا، أترقب القطار القادم من الإسكندرية لأتخذه إلى القاهرة. لقد كان كل في شُغل بتلك الدقائق المعدودات يقضيها في توديع وإشفاق، وترقب وانتظار، وحمل متاع وتنسيق آخر، وكنت في شغُل بصديق يجاذبنى حديثا شيقًا ممتعا.

في تلك اللحظات الفانيهَ، وبين ذلك الجمع المحتشد، راعَ الناسَ صياح وإعوال، وتهدج واضطراب، ومشادة ومدافعة، ثم أبصروا فإذا فتاة في السابعة عشرة من سنيها، يقودها إلى موقف القطار شرطي عات شديد، وساعٍ من سعاة معتمدي الدول قوي عتيد، ومن خلفها شيخ أوروبي جاوز الستين مكتئب مهزول، وهى تدافع الرجلين حولها بيدين لا حول لهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>