للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقبل القطار ثم وقف! فكاد كل ينسى بِذلك الموقف موقفه وما قصد له، ثم أصعدت الفتاة، وصعد معها من حولها، وعجلت أنا وصاحبي فأخذنا مقاعدنا حيث أخذوا مقاعدهم، كل ذلك والفتاة على حال من الحزن والكرب لا يَجْملُ معها الصبر، ولا يُحْمدُ دونها الصمت، سألت الشيخ: " ما خطبه؟ وما أمر الفتاة؟ "، فقال وقد أشرقه الدمع، وقطع صوته الأسى:

" إنني رجل أسباني، وتلك ابنتي، عرض لها منذ حين ما لم أعلمه، فصحوت ذات صباح على صوتها تصلي صلاة المرأة المسلمة، ومنذ ذلك اليوم احتَجَزَتْ ثيابها لتتولى أمر غسلها، وأرسلت خمارها الأبيض على صفحتي وجهها، ومكشوف صدرها، ثم أخذت تُنْفِدُ وقتها في صلاة وصيام، وسجود وهجود، وكانت تُدْعَى " روز "، فأبت إلا أن تسمى " فاطمة "، ما لبثت أن تبعتها أختها الصغرى، فصارت أشبه بها من القطرة بالقطرة، والزهرة بالزهرة.

فزعت لهول ذلك الأمر، وقصدتُ أحد أساقفتنا، فأخذ يعاني رياضتها فلم يجد إلا شِماسا وامتناعًا، وعَزَت على الرجل خيبته، فكتب إلى معتمد الدولة الأسبانية، بأمر الأسرة الخارجة على دينها، وهنالك آمر المعتمد حكومة مصر فساقت إليه الفتاة كما ترى برغمها ورغم ذويها ليقذف بها بين جوانب دير تسترد فيه دينها القديم! ".. .

قلت: " أوَ أرضاك أن تساق ابنتك سوق الآثمات المجرمات على غير إثم ولا جريمة؟ ".

فزفر الرجل زفرة كاد يتصدَّع لها قلبه وأحناء ضلوعه، ثم قال: " أما لقد خُدعتُ ودُهِمْتُ، وغلب أمر الحكومتين أمري فما عساني أفعل؟ ".

على أثر ذلك انثنيت إلى الفتاة وهى تعالج من أهوال الحزن وأثقاله

<<  <  ج: ص:  >  >>