للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَتَى (١) ذَهَبَ مِنْهُ جُزْءٌ ذَهَبَ كُلُّهُ، كَالصَّلَاةِ إِذَا تَرَكَ مِنْهَا وَاجِبًا بَطَلَتْ. وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ تَشَعَّبَتْ بِهِمُ الطُّرُقُ (٢) .

وَأَمَّا الصَّحَابَةُ وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ فَقَالُوا: إِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ (٣) خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ» (٤) .


(١) ن، م: إِذَا.
(٢) يَقُولُ الْأَشْعَرِيُّ فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ ١/١٩٨ - ٢٠١ إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ مِنَ الْمُرْجِئَةِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَا يَتَفَاضَلُ أَهْلُهُ فِيهِ. وَالْإِيمَانُ عِنْدَ الصَّالِحِيَّةِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَيَقُولُ الْأَشْعَرِيُّ: إِنَّ السِّمَّرِيَّةَ أَصْحَابَ يُونُسَ السِّمَّرِيِّ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ وَالْخُضُوعُ لَهُ وَهُوَ تَرْكُ الِاسْتِكْبَارِ عَلَيْهِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ، فَمَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَقَدْ يَكُونُ كَافِرًا لَوْ تَرَكَ خَصْلَةً مِنْهَا، وَقَوْلُ الشِّمْرِيَّةِ أَصْحَابِ أَبِي شِمْرٍ وَالْيُونُسِيَّةُ أَصْحَابُ يُونُسَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا فَهْمٌ يَقُولُونَ إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ وَالْخُضُوعُ لَهُ وَالْمَحَبَّةُ لَهُ بِالْقَلْبِ، وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَالْإِقْرَارُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِمْ، وَلَا يُسَمُّونَ كُلَّ خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ إِيمَانًا وَلَا بَعْضَ إِيمَانٍ حَتَّى تَجْتَمِعَ هَذِهِ الْخَصَالُ، مِثْلَ الْفَرَسِ لَا تُسَمَّى بَلْقَاءَ حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا السَّوَادُ وَالْبَيَاضُ، وَالشَّبِيبَةُ مِنْ مُرْجِئَةِ الْخَوَارِجِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِإِصَابَةِ كُلِّ خِصَالِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ الْخَصْلَةَ مِنَ الْإِيمَانِ قَدْ تَكُونُ طَاعَةً وَبَعْضَ إِيمَانٍ وَلَكِنْ يَكُونُ صَاحِبُهَا كَافِرًا بِتَرْكِ بَعْضِ الْإِيمَانِ.
(٣) أ، و: حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ.
(٤) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ ١/٩٣ كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ تَحْرِيمِ الْكِبْرِ وَبَيَانِهِ، وَلَفْظُهُ: لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالٌ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يُدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ، وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ، فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ٤/٨٤ كِتَابُ اللِّبَاسِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكِبْرِ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ ١/٢٢ - ٢٣ الْمُقَدِّمَةُ بَابٌ فِي الْإِيمَانِ، كِتَابُ صِفَةِ جَهَنَّمَ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ لِلنَّارِ نَفَسَيْنِ، وَلَفْظُهُ: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَمَنْ شَكَّ فَلْيَقْرَأْ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَذَكَرُهُ السُّيُوطِيُّ، وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: صَحِيحٌ وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ النَّسَائِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>