للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سُورَةُ الْحَجِّ: ٥٢] ، فَهَذَا رَفْعٌ لِشَيْءٍ أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ وَلَمْ يُنَزِّلْهُ اللَّهُ، لَكِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ نَسَخَهُ.

وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ - وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: ٢٠١ - ٢٠٢] ، فَمَنْ كَانَ الشَّيْطَانُ لَا يَزَالُ يَمُدُّهُ فِي الْغَيِّ، وَهُوَ لَا يَتَذَكَّرُ وَلَا يُبْصِرُ، كَيْفَ يَكُونُ مِنَ الْمُتَّقِينَ؟ .

وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - فِي آيَةِ الطَّلَاقِ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سُورَةُ الطَّلَاقِ: ٢ - ٣] . وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ عَمِلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَكَفَتْهُمْ» " (١) وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ إِذَا تَعَدَّى الرَّجُلُ حَدَّ اللَّهِ فِي الطَّلَاقِ يَقُولُونَ لَهُ: لَوِ اتَّقَيْتَ اللَّهَ لَجَعَلَ لَكَ مَخْرَجًا وَفَرَجًا.

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى هُنَا مُجَرَّدَ تَقْوَى الشِّرْكِ. وَمِنْ أَوَاخِرِ (٢)


(١) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ ٢/١٤١١ كِتَابُ الزُّهْدِ بَابُ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى، وَنَصُّهُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً وَقَالَ عُثْمَانُ: آيَةً، لَوْ أَخَذَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِهَا لَكَفَتْهُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّةَ آيَةٍ؟ قَالَ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) قَالَ الْمُعَلِّقُ: " فِي الزَّوَائِدِ: هَذَا الْحَدِيثُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، غَيْرَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَأَبُو السَّلِيلِ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا ذَرٍّ، قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ ". وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَزَادَ " قَالَ: فَجَعَلَ يَتْلُوهَا وَيُرَدِّدُهَا عَلَيَّ حَتَّى نَعَسْتُ ". ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا خَرَجْتَ مِنَ الْمَدِينَةِ؟ . . . الْحَدِيثَ.)
(٢) ن، م: وَمِنْ آخِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>