للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا اتَّخَذَ رَسُولًا فَضَلَّهُ بِصِفَاتٍ أُخْرَى لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِيهِ قَبْلَ إِرْسَالِهِ، كَمَا كَانَ يَظْهَرُ لِكُلِّ مَنْ رَأَى مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ بَعْدَ النُّبُوَّةِ. وَتِلْكَ الصِّفَاتُ غَيْرُ الْوَحْيِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يُقَالُ: إِنَّ النُّبُوَّةَ مُجَرَّدُ صِفَةٍ إِضَافِيَّةٍ كَأَحْكَامِ الْأَفْعَالِ كَمَا تَقُولُهُ الْجَهْمِيَّةُ.

وَلِهَذَا [لَمَّا] (١) صَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ - كَالرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ - لَيْسَ عِنْدَهُمْ إِلَّا قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ، تَجِدُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَفِي سَائِرِ كُتُبِهِمْ، يَذْكُرُونَ أَقْوَالًا كَثِيرَةً مُتَعَدِّدَةً كُلُّهَا بَاطِلَةٌ، لَا يَذْكُرُونَ الْحَقَّ، مِثْلَ تَفْسِيرِهِ لِلْهِلَالِ (٢) ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ١٨٩] فَذَكَرَ قَوْلَ أَهْلِ الْحِسَابِ فِيهِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَقْوَالِ الْفَلَاسِفَةِ، وَذَكَرَ قَوْلَ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يَحْدُثُ فِيهِ الضَّوْءُ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا وَلَا لِحِكْمَةٍ (٣) .

وَكَذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ فِي الْمَطَرِ يَذْكُرُ قَوْلَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَهُ حَاصِلًا عَنْ مُجَرَّدِ الْبُخَارِ الْمُتَصَاعِدِ وَالْمُنْعَقِدِ فِي الْجَوِّ، وَقَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ أَحْدَثَهُ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ بِلَا سَبَبٍ، وَيَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ نَزَلَ مِنَ


(١) لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ح) ، (ر) ، (ي)
(٢) أَيِ الرَّازِيِّ.
(٣) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ " التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ " أَوْ " مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ "، " ط. عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّد، الْقَاهِرَةِ ١٣٥٧ ١٩٣٨) ٥/١٣٢ - ١٣٦ وَانْظُرْ قَوْلَهُ (ص ١٣٢) : " وَأَمَّا السَّنَةُ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الزَّمَانِ الْحَاصِلِ مِنْ حَرَكَةِ الشَّمْسِ مِنْ نُقْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْفَلَكِ بِحَرَكَتِهَا الْحَاصِلَةِ عَنْ خِلَافِ حَرَكَةِ الْفَلَكِ، إِلَى أَنْ تَعُودَ إِلَى تِلْكَ النُّقْطَةِ بِعَيْنِهَا، إِلَّا أَنَّ الْقَوْمَ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ تِلْكَ النُّقْطَةَ. . إِلَخْ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>