شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَكْمَلَ أَوْ لَا يَكُونُ. فَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَكْمَلَ، وَجَبَ أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ. وَإِحْدَاثُهُ حِينَئِذٍ عُدُولٌ عَنِ الْأَكْمَلِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْأَكْمَلَ، فَالْأَكْمَلُ نَقِيضُهُ، وَهُوَ إِحْدَاثُ شَيْءٍ بَعْدَ شَيْءٍ، فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنَ الْأَفْعَالِ قَدِيمًا.
وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ إِلَّا سُؤَالًا مَعْلُومَ الْفَسَادِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ يُمْكِنُ إِلَّا هَذَا، فَلَا يُمْكِنُ فِي الْفَلَكِ أَنْ يَتَأَخَّرَ وُجُودُهُ، وَلَا فِي الْحَوَادِثِ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا شَيْءٌ قَدِيمٌ.
قِيلَ: إِنْ أَرَدْتُمُ امْتِنَاعَ هَذَا لِذَاتِهِ فَهُوَ مُكَابَرَةٌ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ قَبْلَ الْفَلَكِ فَلَكٌ، وَقَبْلَهُ فَلَكٌ، لَمْ يَكُنِ امْتِنَاعُ هَذَا بِأَعْظَمَ مِنَ امْتِنَاعِ دَوَامِ الْفَلَكِ، بَلْ إِذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنَ النَّوْعِ يُمْكِنُ دَوَامُهُ، فَدَوَامُ النَّوْعِ أَوْلَى.
وَلِهَذَا لَا يُعْقَلُ (١) أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنَ الْبَشَرِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، مَعَ امْتِنَاعِ قِدَمِ نَوْعِهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ. وَإِنْ قَدَّرْتُمْ أَنَّهُ مُمْتَنَعٌ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَى غَيْرِهِ: لِوُجُودِ مُضَادٍّ لَهُ، أَوْ لِانْتِفَاءِ حِكْمَةِ الْفَاعِلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكُلُّ أَمْرٍ يُنَافِي قِدَمَ نَوْعِ الْمَفْعُولِ، فَهُوَ أَشَدُّ مُنَافَاةً لِقِدَمِ عَيْنِهِ. فَإِنْ جَازَ قِدَمُ عَيْنِهِ، فَقِدَمُ النَّوْعِ مِنْ حُدُوثِ الْأَفْرَادِ أَجْوَزُ، وَإِنِ امْتَنَعَ هَذَا الثَّانِي، فَالْأَوَّلُ أَشَدُّ امْتِنَاعًا، وَكُلُّ شَيْءٍ أَوْجَبَ حُدُوثَ أَفْرَادِ بَعْضِ الْمَفْعُولَاتِ الْمُمْكِنِ قِدَمُهَا، فَهُوَ أَيْضًا مُوجِبٌ لِحُدُوثِ نَظِيرِهِ.
وَهَبْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْحَرَكَةُ لِذَاتِهَا لَا تَقْبَلُ الْبَقَاءَ، لَكِنَّ الْحَوَادِثَ جَوَاهِرٌ كَثِيرَةٌ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَالْعَنَاصِرُ الْأَرْبَعَةُ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةَ
(١) ن (فَقَطْ) : وَلَا يُعْقَلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute