للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَكَانُ إِنْ كَانَ عَدَمِيًّا لَمْ يَكُنْ حُصُولُ الْجَوْهَرِ فِي الْأَمْرِ الْعَدَمِيِّ (١) حُصُولَهُ فِي الْمَعْدُومِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ فِي الْعَدَمِ وَإِنْ كَانَ جَوْهَرًا، فَالْجَوْهَرُ عِنْدَ الْقَوْمِ الْأُوَلِ يَنْقَسِمُ إِلَى مُقَاوِمٍ لِلدَّاخِلِ عَلَيْهِ مُمَانِعٍ إِيَّاهُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّدَاخُلُ، وَإِلَى (٢) غَيْرِ مُقَاوِمٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ وَهُوَ الْمَكَانُ وَالْجَوْهَرُ الْمُمَانِعُ (٣) يُمْكِنُ أَنْ يُدَاخِلَ غَيْرَ الْمُمَانِعِ، وَذَلِكَ هُوَ كَوْنُ الْجَوْهَرِ فِي الْمَكَانِ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْقَوْمِ الثَّانِي فَحُصُولُ الْجَوْهَرِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ بِمَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى (٤) الَّذِي يُرَادُ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ حُصُولُ الْعَرَضِ فِي الْجَوْهَرِ، بِمَعْنَى الْحُلُولِ فِيهِ ".

قُلْتُ: قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبُيِّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ مِنْ قَوْلِهِ: " قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْجَوْهَرِ فِي الْحَيِّزِ أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ " لَيْسَ كَمَا قَالَهُ ; بَلْ يُقَالُ: إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ حُصُولَ الْجَوْهَرِ فِي الْحَيِّزِ أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ، أَنَّهُ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ تَقُومُ بِالْمَحِيزِ، فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى هَذَا، بَلْ وَلَا هَذَا قَوْلَ مُحَقِّقِيهِمْ، بَلِ التَّحَيُّزُ عِنْدَهُمْ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَاتِ الْمُتَحَيِّزِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ: " الْمُتَحَيِّزُ هُوَ الْجِرْمُ، أَوِ الَّذِي لَهُ حَظٌّ مِنَ الْمِسَاحَةِ، وَالَّذِي لَا يُوجَدُ بِحَيْثُ وُجُودُهُ جَوْهَرٌ " (٥) .


(١) فِي (ع) : لَمْ يَكُنْ حُصُولُ الْجَوْهَرِ إِلَّا فِي الْأَمْرِ الْعَدَمِيِّ، وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ".
(٢) ع: إِلَى، وَالصَّوَابُ مِنْ " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ".
(٣) ع: الْمَانِعُ، وَالصَّوَابُ مِنْ " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ".
(٤) فِي " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ": غَيْرِ الْعَيْنِ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ وَهُوَ الَّذِي فِي (ع) .
(٥) لَمْ أَجِدْ هَذَا النَّصَّ فِيمَا بَيْنَ يَدِي مِنْ كُتُبِ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَلَكِنَّ الْجُوَيْنِيَّ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ " الشَّامِلِ فِي أُصُولِ الدِّينِ " ١/٥٩ - ٦٠ (ط. هِلْمُوت كُلُوِيفَر، الْقَاهِرَةِ، ١٩٥٩) فَقَالَ: " وَالْأَصَحُّ فِي ذَلِكَ عِبَارَاتٌ ارْتَضَاهَا الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: الْمُتَحَيِّزُ هُوَ الْجِرْمُ، وَلَا مَعْنَى سِوَاهُ. وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ الَّذِي لَهُ حَظٌّ مِنَ الْمِسَاحَةِ، وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ بِحَيْثُ وُجُودُهُ جَوْهَرٌ ". وَانْظُرْ: الْإِنْصَافَ لِلْبَاقِلَّانِيِّ، ص ١٥، ط. عِزَّت الْعَطَّار، الْقَاهِرَةِ، ١٣٦٩/١٩٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>