هَؤُلَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُكَذِّبُ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُجَوِّزًا عَلَيْهِمْ غَيْرَهُ: إِمَّا قَبْلَ النُّبُوةِ وَإِمَّا بَعْدَهَا، لِظَنِّهِ أَنَّ فِي ذَلِكَ خَطَأً فِي التَّبْلِيغِ، وَهُوَ مَعْصُومٌ فِي التَّبْلِيغِ بِالِاتِّفَاقِ. وَالْعِصْمَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ فِي التَّبْلِيغِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمِنْ هَذَا فَلَمْ يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ نَفَرَ بِرُجُوعِهِ عَنْ هَذَا، وَقَوْلُهُ: إِنَّ هَذَا مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ، وَلَكِنْ رَوَى أَنَّهُمْ نَفَرُوا لَمَّا رَجَعَ إِلَى ذَمِّ آلِهَتِهِمْ بَعْدَ ظَنِّهِمْ أَنَّهُ مَدَحَهَا، فَكَانَ رُجُوعُهُمْ لِدَوَامِهِ عَلَى ذَمِّهَا، لَا لِأَنَّهُ قَالَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ أَلْقَاهُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا لَمْ يُنَفِّرْ فَغَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُنَفِّرَ.
وَأَيْضًا، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّسَخَ نَفَّرَ طَائِفَةً كَمَا قَالَ: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ١٤٢] ، وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ - قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} [سُورَةُ النَّحْلِ: ١٠١ - ١٠٢] ، فَالتَّبْدِيلُ الَّذِي صَرَّحُوا بِأَنَّهُ مُنَفِّرٌ وَنَفَّرُوا بِهِ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي لَمْ يُعْلَمُ أَنَّهُمْ نَفَّرُوا مِنْهُ، وَهُوَ أَقَلُّ تَنْفِيرًا؟ ! لِأَنَّ النَّسَخَ فِيهِ رُجُوعٌ عَنِ الْحَقِّ إِلَى حَقٍّ، وَهَذَا رُجُوعٌ إِلَى حَقٍّ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُحْمَدُ عَلَى تَرْكِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ مَا لَا يُحْمَدُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute