رضي الله تعالى عنه إذا بعثتم رسولاً فاطلبوه حسن الوجه حسن الاسم وقال الفقهاء إذا تساوت درجات المصلين فأحسنهم وجهاً أولاهم بالإمامة وقال تعالى ممتناً بذلك {وزاده بسطة في العلم والجسم} ولسنا نعني بالجمال ما يحرك الشهوة فإن ذلك أنوثة وإنما نعني به ارتفاع القامة على الاستقامة مع الاعتدال في اللحم وتناسب الأعضاء وتناصف خلقة الوجه بحيث لا تنبو الطباع عن النظر إليه
فإن قلت فقد أدخلت المال والجاه والنسب والأهل والولد في حيز النعم وقد ذم الله تعالى المال والجاه وكذا رسول صلى الله عليه وسلم حديث ذم المال والجاه أخرجه الترمذي من حديث كعب بن مالك ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حب المال والشرف لدينه وقد تقدم في ذم المال والبخل // وكذا العلماء قال تعالى {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} وقال عز وجل {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} وقال علي كرم الله وجهه في ذم النسب الناس أبناء ما يحسنون وقيمة كل امرىء ما يحسنه وقيل المرء بنفسه لا بأبيه فما معنى كونها نعمة مع كونها مذمومة شرعاً فاعلم أن من يأخذ العلوم من الألفاظ المنقولة المؤولة والعمومات المخصصة كان الضلال عليه أغلب ما لم يهتد بنور الله تعالى إلى إدراك العلوم على ما هي عليه ثم ينزل النقل على وفق ما ظهر له منها بالتأويل مرة وبالتخصيص أخرى فهذه نعم معينة على أمر الآخرة لا سبيل إلى جحدها إلا أن فيها فتنا ومخاوف فمثال المال مثال الحية التي فيها ترياق نافع وسم نافع فإن أصابها المعزم الذي يعرف وجه الاحتراز عن سمها وطريق استخراج ترياقها النافع كانت نعمة وإن أصابها السوادي الغر فهي عليه بلاء وهلاك وهو مثل البحر الذي تحته أصناف الجواهر واللآلئ فمن ظفر بالبحر فإن كان عالماً بالسباحة وطريق الغوص وطريق الاحتراز عن مهلكات البحر فقد ظفر بنعمه وإن خاضه جاهلاً بذلك فقد هلك فلذلك مدح الله تعالى المال وسماه خيرا ومدحه رسول صلى الله عليه وسلم وقال نعم العون على تقوى الله تعالى المال وكذلك مدح الجاه والعز إذ من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن أظهره على الدين كله وحببه في قلوب الخلق وهو المعني بالجاه ولكن المنقول في مدحهما قليل والمنقول في ذم المال والجاه كثير وحيث ذم الرياء فهو ذم الجاه إذ الرياء مقصوده اجتلاب القلوب ومعنى الجاه ملك القلوب وإنما كثر هذا وقل ذاك لأن الناس أكثرهم جهال بطريق الرقية لحية المال وطريق الغوص في بحر الجاه فوجب تحذيرهم فإنهم يهلكون بسم المال قبل الوصول إلى ترياقه ويهلكهم تمساح بحر الجاه قبل العثور على جواهره ولو كانا في أعيانهما مذمومين بالإضافة إلى كل أحد لما تصور أن ينضاف إلى النبوة الملك كما كان لرسولنا صلى الله عليه وسلم ولا أن ينضاف إليها الغنى كما كان لسليمان عليه السلام فالناس كلهم صبيان والأموال حيات والأنبياء والعارفون معزمون فقد يضر الصبي مالا يضر المعزم نعم المعزم لو كان له ولد يريد بقاءه وصلاحه وقد وجد حية وعلم أنه لو أخذها لأجل ترياقها لاقتدى به ولده وأخذ الحية إذا رآها ليلعب بها فيهلك فله غرض في الترياق وله غرض في حفظ الولد فواجب عليه أن يزن غرضه في الترياق بغرضه في حفظ الولد فإذا كان يقدر على الصبر عن الترياق ولا يستضر به ضرراً كثيراً ولو أخذها لأخذها الصبي ويعظم ضرره بهلاكهم فواجب عليه أن يهرب عن الحية إذا رآها ويشير على الصبي بالهرب ويقبح صورتها في عينه ويعرفه أن فيها سماً قاتلاً لا ينجو منه أحد ولا يحدثه أصلاً بما فيها من نفع الترياق فإن ذلك ربما يغره فيقدم عليه من غير تمام المعرفة وكذلك الغواص إذا علم أنه لو غاص في البحر بمرأى من ولده لاتبعه وهلك